مسارات الاصلاح الانتخابي في العراق
د احمد الميالي
يعد الاصلاح الانتخابي مدخل اساس للاصلاح السياسي ، وتعد الانتخابات النزيهة ومخرجاتها الصحيحة من اهم مستلزمات تحقيق العدالة في سلامة التمثيل السياسي والارتباط الفعلي بين نتائج الانتخابات ومخرجاتها التشريعية والتنفيذية في تشكيل الحكومة.هنالك ثلاثة مسارات للانطلاق نحو الاصلاح الانتخابي الذي يعد مدخلا اساسيا للاصلاح السياسي وهي :
١-القانون٢- الإدارة الانتخابية٣-تنظيم المنافسة الانتخابية.
فيما يخص القانون: لابد من التركيز على تشريع قانون تحدد فيه معايير وطنية دستورية، بشكل يضمن التمثيل العادل للجميع، يخرج جميع القوى من الاصطفافات الطائفية والمذهبية والمناطقية وتجديد الـحـيـاة الـسـيـاسـيـة وبــنــاؤهــا عـلـى أســس وقـواعد صلبة تـخـرج البلد مـن الأزمـــات المتلاحقة التي تـعـصـف بـمـؤسـسـاتـه الـسـيـاسـيـة والــدســتــوريــة، وليس إعادة تموضع القوى الحالية في السلطة. القانون الحالي المطروح في مجلس النواب يشهد تجاذبات وتقاطعات بين القوى السياسية بخصوص تقسيم الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي المتبع ، والمؤشرات تدل ان هذه القوى لاتريد التنازل عن مكتسباتها في القانون والنظام الانتخابي رغم الاتفاق على الدوائر المتوسطة في المحافظات بجعل الدوائر من ٣-٥ ، مع تداخلات في النطاق الجغرافي لهذه الدوائر بشكل لم يحظى بمقبولية من بعض الاطراف السياسية، وهذا قد ينعكس بالنتيجة على اقرار القانون، المهم في هذا المسار ان اتباع سياق الترشيح الفردي ونظام اعلى الاصوات في الفوز في هذه الدوائر تم الاتفاق عليه وهذا اهم مايمكن اعتباره بارقة امل في تغيير طبيعة النظام الانتخابي ليكون بشكل اكثر عدالة ومنطقية في التمثيل النيابي رغم وجود العديد من الطرق التي قد تسلكها الاحزاب السياسية التقليدية في التكيّف مع هذا التغيير عبر استيلاد كيانات ظل وتشكيل تحالفات ودعم قوائم فردية ومرشحين مستقلين في تلك القوائم وغيرها.اما بخصوص الادارة الانتخابية: فتتضمن ضرورة وجود معيار الكفاءة والنزاهة والاستقلالية في التوزيع الوظيفي والاداري للمدراء وغيرهم داخل مفوضية الانتخابات مع دعمها بصلاحيات قانونية وادارية لضبط التنافس الانتخابي وسير العملية الانتخابية.ولغاية الان ورغم تشكيل مجلس المفوضية من القضاة ووفق القانون الجديد للمفوضية لكن لازالت القوى السياسية تتصارع على هيكلة المفوضية وتريد ابقاء المناصب العليا فيها لصالحها ، واطراف تطالب بالتوازن الوظيفي والعدالة ( المحاصصة) في تسنيم هذه المواقع. يضاف الى ذلك ان عملية تأهيل وتدريب الملاكات الوظيفية بعد احالة ملاكها السابق الى التقاعد والنقل، تحتاج الى وقت قد يتعارض مع استحقاق الانتخابات المبكرة شعبيا ، او قد تكون هنالك اخفاقات واختلالات في عملها في حال عدم توفير التدريب والتأهيل اللازم لاكتساب الخبرة لموظيفها.مع كل ذلك لايمكن ان تقارن هذه المفوضية وقانونها وتوجهاتها ووقوعها تحت الضغط الشعبي مع المفوضيات السابقة ، من حيث الية الاختيار لمجلس مفوضيها وملاكاتها لتجدز اليات المحاصصة الحزبية والفئوية في اختيارهم وانعكس ذلك بشكل سلبي على مخرجات العملية الانتخابية لكل الممارسات الانتخابية السابقة.اما بخصوص تنظيم المنافسة الانتخابية فهي تتعلق بتطوير اليات عمل المفوضية واجراء الانتخابات.وتتضمن ضرورة تطوير وتحديث ومكننة العملية الانتخابية والارتـــقـــاء بـهـا من الطريقة اليدوية والالكترونية التي شهدتها اخر انتخابات في عملية الاقتراع والفرز سواء داخل محطات الاقتراع او المراكز الانتخابية، الى ضرورة اعتماد البطاقة البايومترية المحدثة اذ لا يمكن ان تحقق الـنـتـائـج الــمــرجــوة، الا فــي حـــال اعــتــمــاد البطاقة البايومترية وبالامكان الاستعانة بطريقة عمل البطاقة الوطنية الموحدة والتعاون مع مديرية الاحوال المدنية في هذا الشأن، ولابد بـــالاشـــارة فـــي هــذا المجال الى ان تطبيق الية الاقتراع والفرز واصدار النتائج بالطريقة الالكترونية يـسـتـدعـي اعـــــادة الـنـظـر بـكـامـل الاجـــــراءات اليدوية المعمول بها ووضع النصوص اللازمة في قانون الانتخابات او قانون المفوضية لمراعاة ضمان هذا التحول.و قبل ايام دعى رئيس مجلس النواب الى تضمين اعتماد البطاقة البايومترية في القانون الانتخابي، ويحظى هذا المطلب بقبول سياسي من بعض القوى السياسية خاصة بعد اعتراف احدى تلك القوى بوجود اكثر من مليون ونصف بطاقة ناخب الكترونية جاهزة لتزوير نتائج الانتخابات المقبلة عبر استغلال انتخابات النازحين والمغتربين وقوى الامن الداخلي… لكن بعض الاطراف لم ترحب بذلك وتدعي ان عملية تحديث بيانات الناخبين يحتاج الى وقت لايقل عن سنة ونصف وهذا يتعارض مع تبكير الانتخابات، وبالتالي يوحي ذلك ان البطاقة الالكترونية قد تكون هي الخيار في ممارسة الاقتراع، وهذا يعني ان التشكيك بالنتائج سيكون حاضر وسيعكس عدم وجود اي تغيير في الخريطة الانتخابية، فأهم مايمكن ان يعول عليه في مسار الاصلاح الانتخابي هو ضمان نزاهة الانتخابات او على الاقل تقليل ذلك الى الحد الادنى.يتزامن مع ضرورة تنظيم المنافسة الانتخابية اضافة الى ضمان نزاهة العملية الانتخابية ضرورة توفير بيئة عادلة وشفافة لجميع المشاركين في التنافس الانتخابي فلا زالت اجواء هيمنة القوى الكبيرة على الاجواء السياسية حاضرة ومتحكمة سواء على مستوى امتلاكها لادوات التأثير على الناخب العراقي من مال سياسي وماكينات اعلامية ضخمة وتبينها لخطاب سياسي استقطابي، او عبر وجودها في مواقع الدولة والقرار السياسي والتنفيذي الذي يتيح لها التأثير في خيارات الناخب ونتائج الانتخابات وتوظيف موارد تلك المناصب في سياق الاستقطاب الانتخابي عبر الوعود في منح التفضيلات الوظيفية والخدمات المرتبطة بعمل تلك المواقع التي تضطر المواطن لمنح صوته لتلك القوى لقاء تلك الخدمات المؤقتة والوعود بالتعيين وغير ذلك…قد يراهن على مكتسبات وملامح اصلاح وتغيير ايجابي في القانون والنظام الانتخابي الجديد في التعبير عن اهتمامات ومطالب العراقيين فيما يخص الترشيح الفردي وتخفيض سن الترشيح ونظام اعلى الاصوات وتعدد الدوائر الانتخابية، ويراهن ايضا على معطيات التغيير في المفوضية من حيث قانونها ومجلس مفوضيها بنمط ايجابي في التعويل على ادارة الانتخابات بشكل سليم، لكن لايمكن لغاية الان ووفقا للمعطيات والظروف التعويل والمراهنة على ضمان نتائج الانتخابات مالم يتم معالجة ادوات نجاح وتنظيم المنافسة الانتخابية المتعلقة بنزاهة الانتخابات وضبط اليات وادوات اجراءها وفقا لمقتضيات القانون والعدالة . فهذا المسار الاصلاحي قد يكون الجزء الذي ستعول عليه القوى التقليدية في الابقاء على وجودها وترسيخ جذورها في العملية السياسية.هذه ابرز المسارات الاصلاحية الممكنة لترشيد العملية الانتخابية في العراق للمرحلة المقبلة، ولازالت الفرصة قائمة امام القوى السياسية لوضع اللبنات الاولى للتصحيح،للبناء على هذه المسارات. خاصة فيما اذا توفرت ارادة سياسية وضواغط اجتماعية و اعلام داعم لقضايا الاصلاح الانتخابي في العراق.