شيماء سيدة في نهاية الثلاثينات, لا تعاني من تشوه او حرق او ندوب ,غير متزوجة وربما كان هذا السبب الذي جعلها تلجأ الى مراكز التجميل لتبدو حسنة المظهر بعدما اقتنعت بأن شكلها غير جذاب, عمدت لتجميل نفسها كي يتهافت عليها الخاطبين من كل حدب وصوب ,لكن وكما يقول المتنبي (وتجري الرياح بما لا تشتهي السَفنُ), فبعد نجاح عملية تجميل الأنف وقص الاجفان التي اجرتها شيماء ,شجعها صديقاتها على اجراء عملية لتكبير وجنتيها .
تقول شيماء ووجها منتفخاً مليئا بآثار الحقن التي تشبه إلى حد كبير آثار الضرب المبرح:” كانت العملية صعبة , حينما بدأ عملية حقن وجنتي بالسليكون شعرت بألم لا يحتمل ، فالمخدر الموضعي الذي استخدمه الخبير لم يأت مفعوله “.
وتابعت” وقد يتطلب الأمر شهرا ونصف من الانتظار لتختفي الزرقة والورم ” لكنها تفكر مجددا في الخضوع لعملية أخرى “ان الله جميلٌ يحب الجمال” حسبما تقول شيماء.
العامل الديني بدوره لم يشكل عائقا أمام فاطمة التي ترتدي حجابا اسلاميا في إجراء الجراحة التجميلية, بعدما لجأ البعض إلى استشارة رجال الدين الذين بدورهم لم يمانعوا او يحرموا هذه العمليات شريطة ان تجريها خبيرة تجميل للمرأة .
وتقول فاطمة وهي ابنة الاربع وعشرين ربيعاً بعدما خضعت لعملية تكبير لشفاهها بالفلر “اعاني الان من آلام مبرحة , شفاهي متورمة ومتحجرة ,اقنعتني صديقتي باللجوء الى احد صالونات الحي الذي اقطن به , فبالإضافة الى كونه صالوناً فهو مركز مصغر للتجميل تقوم ام الصالون بحقن البوتوكس والفلر بسعر رخيص, وعندما ذهبت اليها قالت بانها غير مسؤولة عن ما آلت اليه الامور, لكني لم اتوقع حصول هذا ,كنت اريد الحصول على شفاه جميلة لكن شكلي اصبح محرجا جدا “.
الاقبال على عمليات التجميل بات نوعا من الموضة الجديدة في العراق. وقد تزايد الاهتمام بجراحات التجميل منذ سقوط النظام السابق ونهاية الحصار الذي كان يعزل العراق عن العالم الخارجي. ومع تحسن الوضع الأمني نهاية العام 2007 عاد كثير من الأطباء المقيمين في الخارج حاملين شتى الاختصاصات من بينها الجراحة التجميلية.
وتزدحم غالبية عيادات التجميل بالشباب من الجنسين وإن زاد عدد النساء على عدد الرجال, فالداخل إلى اي مركز متخصص في التجميل في بغداد، بالكاد يفلح في العثور على كرسي فارغ للجلوس، فيما تغص صالة الانتظار بالباحثين والباحثات عن الجمال وهو حلا يروه امثل للحصول على شكل أجمل، مستوحى من أشكال الفنانات والفانيين الذين يظهرون على شاشات التلفاز .
اما من ناحية الاسعار فتتحكم عِدة عوامل في معدلاتها , اولها نوع العملية الجراحية ومدى سوء حالة الذي يرغب بإجراء العملية، وثانيها مستوى مركز التجميل نفسه ومدى شهرته وتاريخه في المجال.
وتحدد بعض مراكز التجميل في بغداد تسعيرات عملياتها ، اذ يدفع الزبائن مبلغا يصل الى حدود 600 دولار في جراحة الأنف، ومبلغا مماثلا لنفخ الخدود، فيما تزيد تكلفة عمليات تكبير الصدر عن 1500 وتصل إلى 3000 دولار أمريكي حسب شهرة الطبيب، فضلا عن تكاليف بعض المواد التي يستوردها المريض بنفسه من خارج البلاد أو يشتريها من الصيدليات العراقية كمادة السيليكون الخاصة بنفخ الشفاه والخدود ,لكن بصفة عامة يمكن القول بأن أسعار عمليات التجميل في العراق منخفضة بدرجة كبيرة مقارنة بدول الجوار مثل إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، فعلى سبيل المثال تكلفة عملية تجميل الأنف في العراق في المتوسط 600 دولار أمريكي بينما نفس العملية بأي دولة أخرى لا تقل عن 1500 دولار.
عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية, عبد الله الجبوري يقول في حديثه لـ(الاولى نيوز) ان :” وزارة الصحة تعمل جاهدة برقابة المراكز التجميلية ومنح اجازات وفق شروط وضوابط معينة , لكن هناك بعض المراكز تتجاوز الصلاحيات والقوانين”. مضيفاً ان تخطيط وزارة الصحة وبالتعاون مع المفتشية العامة يشكلون فريقاً ناشط بملاحظة هذه المراكز في حال حدوث اي خرق.
واشار الجبوري الى ان :” في حال وصول شكوى من قبل المواطنين على احد المراكز التجميلية ستتخذ وزارة الصحة الاجراءات القانونية من خلال احالتهم للمحاكم واغلاق المركز او دفع غرامة مالية”.
وبين عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية ان :” حالات التشوه ناتجة عن الذين يعملون في المراكز التجميلية وغالبيتهم غير مختصين وغير مجازين من قبل وزارة الصحة وغير حاصلين على شهادة الطب في هذا المجال ,فضلاً عن وجود حالات استيراد لمواد تجميلية منتهية الصلاحية رخيصة الثمن من قبل بعض التجار , حيث لا تدخل هذه المواد عبر الحدود الرسمية للعراق ويقومون ايضا باستيراد اجهزة للتسمير والقضاء على الحبوب غير مرخصة دوليا والتي تزيد من خطر الاصابة بسرطان الجلد “. داعياً المواطنين الى ان لا يلجأون الى مراكز التجميل بشكل عشوائي ويبحثون عن اجازته من قبل وزارة الصحة ,واجازة دكتور التجميل ,والابتعاد عن الصالونات الموجودة داخل المنازل التي تحقن الفلر والبوتوكس بلا رقيب ولا محاسب.
يقول دكتور التجميل, عبد الرحمن العبودي في حديثه لـ(الاولى نيوز) ان :” الكثير من الحالات التي تعرضت للتشوه تردنا يومياً جراء حقن الفلر والبوتوكس في الصالونات الشعبية والمنازل وعمليات شفط الدهون وتجميل الانف وقص الاجفان الفاشلة “. مضيفا ان اكثر الحالات المتعرضة للتشوه هي حالات حقن الشفاه بالفلر , حيث ان اغلبهن تصبح شفاههن متحجرة ومتورمة ونحن نعمل على اذابة الفلر الرخيص واستخراجه.
وطالب وزارة الصحة باتخاذ الاجراءات بحق الصالونات ومراكز التجميل غير المرخصة وتشكيل لجنة لغلقها بعدما سببت بحالات كثيرة من التشوهات والامراض .
واشار العبودي الى ان :” عمليات التجميل ليست سهلة , لاسيما وان كل منطقة بالجسم مرتبطة بخلايا حساسة جدا” .مؤكدا أن الطبيب الذى يقوم بهذه العمليات يجب أن يكون حاصلا على الدكتوراه وخبرة لا تقل عن 5 سنوات في المجال حتى يقوم بعملية صحيحة ونسبة خطأها شبه معدوم.
واوضح دكتور التجميل ان :” هناك الكثير من الرجال يزورون العيادة لكن اعدادهم اقل نسبة الى النساء, واكثر العمليات التي يقبل عليها الرجال هي زراعة الشعر وشفط الدهون وعمليات تجميل الأنف و أخرى تهدف لإزالة أثر تقدم السن مثل شد الوجه” .
وحذر العبودي “من المضاعفات السلبية لبعض عمليات التجميل، والتي قد تؤدي إلى الإعاقة أو الوفيات في بعض الحالات، التي يتم إجراؤها بطريقة لا تتناسب مع حالة المريض الصحية” ناصحاً باختيار الطبيب والمكان جيدا قبل التفكير في الخضوع لواحدة من عمليات التجميل.
اما الدكتور في علم النفس في جامعة بغداد, سفيان خالد يقول في حديثه لـ(الاولى نيوز) ان :”من أهم أسباب لجوء النساء والرجال إلى الجراحة التجميلية هي إرضاء النفس, كما يلعب رأي المجتمع دور مهم في هذا الموضوع لاسيما وان الناس الان تقيم المقابل على اساس الشكل لا للمضمون , كما ان إحساس الشخص بعدم قبوله في المجتمع نسبة إلى شكله يدفعه باللجوء إلى التغيير من أجل الحصول على ثقة الآخرين , كما أن هناك نوعية من الناس تحب التباهي وتجتهد لتبقى دائما الأجمل والأفضل في عيون الآخرين”.
ويذكر ان خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات كانت مراكز التجميل في العراق قليلة من حيث العدد، إذ كانت عمليات التجميل ذاتها آنذاك تعد نوع من الترف، ولكن تبدلت الأحوال بعد ما مر بالعراق من أحداث مأساوية جعلت عمليات التجميل ضرورة مُلحة بالنسبة للكثيرين، الأمر الذي جعل من مراكز التجميل مشروع استثماري مضمون الربح فتضاعفت أعدادها, ومع مرور الوقت لم يعد نشاطها يقتصر على علاج التشوهات وآثار الحروق بل تزايد الإقبال على عمليات التجميل بمختلف أنواعها، وأصبحت العمليات المتعلقة بتحسين المظهر العام مثل شفط الدهون وشد الجلد وتكبير مناطق معينة من الجسم هي الأكثر طلباً في العراق.