(مذكرات نقيب في الجيش العراقي)
مذكرات نقيب في الجيش العراقي لم تكن سوى غفلة منهم حيث تركوا أحد أفرادهم الذي قُتِل اثناء محاولته التسلل دون ان يخلوه من أرض المعركة! المنطقة : البغدادي القوة : اللواء 27 الفرقة 7 الجيش العراقي.التاريخ : أواخر تشرين الأول سنة 2014 .نقطة وسط البحر ! هكذا يمكن وصف هذه المنطقة حيث تمتد سيطرة د11 من شمالها لجنوبها لغربها وشرقها بمسافات تُقارب الـ 600 كم ، ليس لنا حل بالالتحاق سوى الطائرات التي تنقلنا لقاعدة عين الاسد حيث نسير مسافات طويلة مشيًا على الاقدام لنركب بعدها بأحواض لسيارات تنقل الخُضار متوسطة الحجم و بالملابس المدنية ونمر على مناطق تحت سيطرة د11 أيضًا حيث نحبس أنفاسنا بترقب حتى الوصول .الالتحاق كان مهمة إنتحارية بحد ذاتها ، في البغدادي حصلت معارك شرسة لم يتم تصويرها لأن كلٌ منا يفقد اليأس بالحياة عند الالتحاق وفعلاً هذا ما يحصل مع كل هجوم ! في مقر اللواء حيثُ السماء والطارق ، لا شبكات للاتصال، أقرب سوق يبعد 200 كم عنا ، نعتمد على ارزاق الجيش الشهرية فقط ، الرز مع العدس والفاصوليا و معجون الطماطم والمياه الملوثة هذا فقط ما يصمد معنا طيلة الشهر او الشهرين ربما ! نمتلك 4 اجهزة لاسلكي موزعة على ثلاث جهات و انا القائد في منتصفهم .الجو كئيب جدًا ليس بيدنا الا أسلحتنا ونترقب هجومهم فقط ، لاشيء في المقر سوى الغبار والهواء المرتفع وقوري الشاي المحترق من الحطب والسكائر هذا وحده من يؤنس وحدتنا . في احد الايّام زارنا الجهد الهندسي زيارة مفاجأة لم نعهدها من قبل سرنا انا وضابط الجهد الهندسي نتجول حول المقر وأطلع على طبيعة المعسكر ، ونحن نشاهد الوديان أخبرته ان في ما لو كان يملك العبوات الناسفة والالغام لكي نؤمن الوادي الذي خلفنا ؟ فأجاب نعم لدينا كثير من العبوات الناسفة فأستدعى مجموعة من جنودهُ وخطط لهم المكان وقاموا بزرعها ليلاً . أخبار الموت تحوم بنا من كل جانب حيث سمعنا عن هجوم عنيف على سيطرة تدعى (سيطرة ماجد) وهي نقطة للجيش العراقي على تلة تم مهاجمتها بثلاث سيارات مفخخة أستبسل خلالها جنود كثيرين الى ان أستشهدوا بسبب كثافة النيران وأصيب الكثيرين من ضمنهم احد الضباط الذي بترت يده في الهجوم وانسحب وهوَ غارق بدمائه ليسقط قرب أحد القرى فيسحبه أحد المواطنين الى داره وقام بتضميده وارساله بسيارته لمستشفى القوات العسكرية ولكن بعد عودته كان د11 بأنتظار هذا المواطن.. فقطعوا رأسه ! واخبروا أهله بذلك! ربما تم دفنه بجانب أحد الجنود الذي لايزال قبره موجوداً بجانب الشارع العام قرب السيطرة حتى اليوم.في أحد أيام شهر تشرين الاول 2014 رصد احد ابطالنا تسللاً لد11 تمكنا من قتل أحدهم ليفروا من معه هاربين ليتركوا جهاز اللاسلكي “الفارس الذي أنقذنا” في حوزتنا. جلست اسبوعاً كاملاً استمع الى كلامهم المشفر حيث لا توجد جملة مفهومة اذ يتعاملون بأسماء الالوان فقط ! تمكنت من معرفة شيء قليل عن تحركاتهم اليومية في الصباح والمساء . في اليوم الثامن فجراً كنت قد استيقظت للتو حين سمعت نداء مشفر غريب في جهازهم اللاسلكي لم أعتد على سماعهِ ازلت الشرشف ونهضت غسلت وجهي بسرعة وارتديت بدلتي العسكرية اخذت جهازنا اللاسلكي وجهاز العدو ، ناديت في جهازنا ان على الجنود المرابطين التحضر قد يكون هناك هجوم .أيقضت الجميع وابلغت الربايا بالانتباه لم يبالو بسبب التحذيرات المتكررة والتي غالباً ما تكون خاطئة لكنني هذه المرة متواصل لاسلكياً معهم واتمنى ان اكون مخطىء.عدت الى المقر اتمشى وقبل الوصول لغرفتي دوى أنفجار عنيف ، ركضت نحو جنودي فأخبروني أن صهريج مفخخ عبر على طريق لعبوات ناسفة كنا قد زرعناها لحمايتنا .أتبع الانفجار هجوم من جانبين لسيارات د11 وعناصر مترجلين متمركزين خلف صخور وتلال وقفت بالمنتصف ومن خلال الكاميرات التي زرعناها كنت اراقب تحركات العدو ، أستبسل جنودنا بالدفاع عن المقر وعن أنفسهم فقد امطروهم بوابل من الرصاص كان اعداد الاعداء كبير جدًا حاصرونا واقتربوا منا كثيراً لكننا لم نهتز .. أسمع نداءات د11 باللاسلكي انهم يتعرضون لنيران كثيفة ، لم يتحدثوا بالشفرات وقت الهجوم ! صاح قائدهم الميداني في اللاسلكي وطلب منهم الالتفاف لأنهم اصبحوا قريبين جداً فوجهت احد الجنود بمراقبة الوادي الذي قد يكون الالتفاف من خلاله ، وبالفعل نزل حوالي 15 شخصاً منهم الوادي ومن حسن حظنا أننا زرعناه بالعبوات الناسفة قبل يومين !! اصبح كمين محكم اعطيت امراً بالتفجير وفتح النار بأتجاه الوادي ومع الانفجار اعتلى صراخهم الذي نسمعه من بعيد واعتلت صيحاتهم في جهازهم اللاسلكي (الاخوة استشهدوا الاخوة استشهدوا) وفجأة وانقطع الارسال من الوادي تماماً عرفت انهم انتهوا بالكامل !بعد ثواني تحدثوا بالجهاز حول فشل الالتفاف وطلب منهم الانسحاب لكنهم لم يستطيعوا بسبب شدة النيران فصرخ ينادي :(هذا ابو الخضرة ذبحنة ذبح ) هنا يقصد الهامفي المصبوغة باللون الاخضر العسكري وعاد الكرة مرة أخرى (ابو الخضرة ذبحنة ) فجاء نداء آخر (أنتظر راح اعالجة الكم ) ! انا هنا عرفت ان هُناك قناص سيقوم بضربه لم يمتلك صاحب الهامفي جهازاً لاسلكياً بسبب قلتها فركضت مسرعًا اصرخ (احمد انتبه احمد انتبه ) كان بعيداً عني ومنشغل بأطلاق النار وأنا اركض سمعت نداءاً بالجهاز اللاسلكي للدواعش (صفيته ، صفيته) فأنقطع صوت أطلاق النار من الهامفي ! فأنهاريت وجثيت على ركبتي وأنفعلت وضربت يديّ بالارض ، لا اريد الوصول لمشاهدته لكنني لمحت ان دم أحمد قد سال على بدن الهامفي ! كانت لحظة انهيار عصبي وتام لي فقد خرجنا من المعركة بمصاب فقط لكنهم تمكنوا من أحدنا في لحظاتهم الاخيرة .. لا أريد تذكر تلك اللحظات أبداً لا أريد تذكر أنني أعاني من من الحصول على المياه النظيفة ومن انعدام شبكة الهاتف النقال لتفقد اطفالي واهلي ومن تكرار الالتحاق المميت . الحرب لم ولن تكن مُزحة أبداً ولا شيء يضاهي ما قدمهُ ابطالنا من تضحيات عظيمة لهذا الوطن .. سأروي كل شيء عن بطولاتهم لأطفالي وربما لأحفادي!مذكرات نقيب في الجيش العراقي