مخرجات قمة التعاون والشراكة في بغداد
هادي جلو مرعي
إنتهت كما بدأت بالتفاؤل قمة التعاون والشراكة التي إحتضنتها بغداد يوم السبت المنصرم، وحضرها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي ألقى كلمة مهمة أكد فيها دعم فرنسا للعراق، ورغبته في تأكيد الشراكة بين باريس وبغداد، وبطريقة مختلفة عن الزعماء المشاركين، وممثلي الدول توجه ليل السبت، وبعد الإنتهاء من أعمال القمة الى مقام ديني شيعي رفيع رفقة رئيس الوزراء، وكان يحمل بيده كتابا يتحدث عن دور المرجعية الدينية في النجف في حفظ السلم الأهلي، وبعدها حطت طائرته في مطار أربيل التي تشهد وجود أقليات دينية وعرقية لجأت إليها في وقت سابق تجنبا للعنف الذي، ولم يتاخر الرئيس ماكرون في زيارة الموصل في الشمال العراقي ليطلع على مراحل بناء مسجد النوري الشهير الذي دمره تنظيم داعش، وزار مناطق المسيحيين في سهل نينوى، وعاصمتهم قره قوش المعروفة لتأكيد مبدأ التعايش، لكن الزيارة لم تمر دون إنتقادات من البعض الذين شبهوا سياسة ماكرون ب(الدبلوماسية الشعبية) التي إنتهجها في لبنان. اللافت في قمة بغداد إنها ذهبت بإتجاهات عدة، ولم تقتصر على العنوان الذي وضع لها، فهي قمة التعاون والشراكة للجوار العربي والإقليمي، وقد حظيت بدعم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أكد دعمه لمبدأ الشراكة مع حكومة بغداد، وهو مافسره مراقبون بأنه تأكيد لضوء أخضر سابق من بايدن لكل من ماكرون والكاظمي لعقد القمة التي تأتي في ظروف ملتبسة ومعقدة، ومن غير الواضح الى أين ستمضي، والى ماستنتهي، والإتجاهات الأخرى، وعدا عن العنوان تمثلت بلقاءات شكلت مفاجئة للجمهور العربي، حين إلتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وعلى هامش القمة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكان هناك مؤشر تفاؤل ورضا عن اللقاء، زامنه لقاء الشيخ تميم بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، ومصافحة بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الإيراني المعين من أيام أمير عبداللهيان الذي يشارك في أكبر حدث له منذ توليه المسؤولية خلفا لجواد ظريف مهندس الإتفاق النووي، وتحدث في القمة باللغة العربية، بينما لم تخل كلمات القادة العرب من إشارات عدم الرضا عما وصفوه بالتدخلات الخارجية في شؤون دولهم، وكانوا يغمزون بقناة إيران وحليفتها تركيا التي قال وزير خارجيتها شاويش أوغلو، إنه ينبغي عدم جعل العراق ساحة للتنافس والصراع، وهو مطلب عراقي أساسي حيث تريد بغداد ترسيخ مبدأ الشراكة والتعاون. كان الحضور لافتا ومهما، ويؤكد تغيرا في المزاج العام الدولي تجاه العراق، وشعورا متعاظما بأهمية التعاون مع هذا البلد الذي نجح من خلال تعاقب الحكومات فيه بتصفير مشكلاته مع الجوار، فهو البلد الوحيد الذي يحتفظ بعلاقات صداقة مع عواصم العرب والجوار وأوروبا وبقية العالم، بينما لدى الدول الأخرى، والمشاركة في القمة مشاكل وتحديات عملت بغداد على خفض التوتر فيها الى مستوى يهيأ لمرحلة مقبلة ربما تشهد تقاربا أكبر، وأدت علاقة بغداد الطيبة مع عواصم الجوار العربي والإقليمي الى توصيل رسائل إيجابية لأكثر من عاصمة، وأبدى الجميع رغبتهم في دعم العراق، وتطوير التعاون معه ليصل الى مديات أكبر في المدة القليلة المقبلة، ولتحقيق أهداف القمة المعلنة على الصعيد السياسي والإقتصادي، والتنسيق الأمني. التفاؤل بنتائج إيجابية يعود الى قناعات بعدم جدوى الدفع بالعراق الى دائرة العنف سواء الطائفي منه، أو القومي، وعدم جدوى السعي لتغيير المعادلة وفقا لمصالح كل دولة، بل التركيز على التعامل الواقعي مع هذا البلد، وترسيخ الشراكة معه، وعدم النظر في الخلافات الطائفية والقومية، بل العمل وفقا لمعادلة المصالح المشتركة بين الدول جميعها في المنطقة التي إكتشفت إنها لم تربح شيئا من أزماتها وحروبها، بل خسرت المال والأرواح، وتسببت بمشاكل عميقة في دول عدة كلبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي بالتالي بحاجة الى تغيير المسار لوقف النزيف، وهذا واحد من عوامل نجاح قمة بغداد.