محاولة لإشاعة الامل
.جاسم الحلفي
ليس سهلا ان تختار الموضوع الاجدر بالمعالجة لتكتب عنه، فالقضايا التي تفرض نفسها للتناول عديدة، والازمات التي نعيشها لا اكثر منها!وأمر الكتابة لا يتعلق فقط باختيار الأهم قبل المهم، بل لا بد من إيجاد المدخل وطريقة المعالجة التي تشيع الامل في اطار العتمة المخيمة. وهنا بالتحديد تكمن الصعوبة.اريد اولا لفت الانتباه الى الهجوم التركي وإستهتاره بوطننا وكرامته، فهو يتواصل بعدوان سافر تستبيح قواته ارضنا وتحتلها، وهي التي لم تعد آمنة من أطماعه العثمانية، منذ أن وقع الدكتاتور معاهدة تسمح للنظم التركي بالتوغل داخل حدود العراق.وبعد التغيير اكملت الحكومات الانبطاح امام الأطماع الخارجية. فبدلا من ان تبادر الى إلغاء تلك المعاهدة المذلة، جعلت من العراق ساحة حرب ومسرحا لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية.اما قضية خطف وتغييب الصديقين العزيزين مازن لطيف وتوفيق التميمي، فهي ايضا غير قابلة للتأجيل، بعد ان عجزت عائلتاهما وكل اصدقائهما عن اقتفاء اثرهما في دولة اصبح الخطف والتغييب فيها امرا معتادا، لا يستفز ضميرا ولا يخدش حياءً، فيما تقف الحكومة بكل أجهزتها عاجزة عن الجواب، ويقف تعهد رئيسها بالكشف عن كل المغيبين، امام امتحان قدرته على ردع العصابات.في الوقت عينه تُعد الكتابة عن (المثقف الطائفي) حاجة ملحة لا تقبل التأجيل. فالمثقف الملطخ بأدران الطائفية لا يتعظ للاسف بعواقب ارتمائه السابق في أحضان الدكتاتورية المستبدة، ولم يتعلم من الدرس حينما يرخص نفسه ويصيّرها بوقا لنظام الاستبداد. ولم يرعو هذا المثقف رغم كل الخراب الذي عمّ نتيجة الصراع الطائفي والتحاصص.وقد لا تكون هذه العناوين بمثل أهمية أوضاع العاملين في القطاع الاقتصادي غير المنظم ومحنتهم اليومية، وهم يواجهون الازمة المعيشية الخانقة. كذلك ذوو الدخل المحدود ومعاناتهم ودوامة التفكير بالرواتب الشهرية، التي اصبح تأمينها هاجسا لا يفارق من لا دخل لهم سواها، فيما لا يجدون ما يطمئنهم في تصريحات الحكومة حول قوانين العدالة الانتقالية ومتطلبات العدالة الاجتماعية.من جانب آخر تلح علينا أزمة كورونا وتداعياتها الكارثية بالنسبة لأوضاعنا الصحية، حيث تتواصل اخبار رحيل المزيد من الاحبة عن هذه الحياة، ترافقها مظاهر انهيار القطاع الصحي وتردي الخدمات الصحية. وهذا امر متوقع، فقد توارث القائمون على القطاع الفساد المتفشى، الذي تسبب ويتسبب في التصدع والانهيارات.تبقى المبادرات المدنية متمثلة في توزيع سلال الغذاء بعد ان غُيبت البطاقة التموينية عمليا، ولم يبق منها سوى ثلاث مواد يتفاوت توزيعها خلال اشهر السنة. كذلك حملات التبرع الشعبية بالمال وبالاجهزة الطبية وانابيب الاوكسجين والكمامات.هذه المبادرات على محدوديتها، الى جانب إصرار الشباب وتمسكهم بالتغيير، وبقائهم في الساحات مطالبين بمحاكمة المفسدين، وحصر السلاح بيد الدولة، وتنويع الاقتصاد، واطلاق برامج التنمية المستدامة، وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.. هي ما يشيع الامل رغم كل ما يحيط بنا من ازمات وخسارات موجعة.