محاكاة جرائم السينما
الكاتب القاضي إياد محسن ضمد
للسينما قدرة على تشكيل الوعي الجمعي والتأثير على الجماهير، ليس ذلك فحسب بل ان المشاهد التي تصنعها السينما تساهم في رسم الصورة الذهنية تجاه قضايا المجتمع.
نظرية الغرس الثقافي تؤكد ان مشاهدة التلفزيون بصورة متكررة تغرس انماطا متشابهة من السلوكيات بين الافراد وتدفع بعضهم لتبني سلوكيات عنفية واجرامية مطابقة لما يتم تناوله من جرائم في افلام السينما ومسلسلات التلفزيون؟
فهل ان السينما تمثل انعكاسا للواقع ام ان الواقع يحاكي السينما ويتأثر بها؟
هذه الاشكالية المهمة غالبا ما تثير الجدل، فقسم من المختصين في مجال الامن الاجتماعي يرون ان العنف وصور الجرائم التي تتناولها الدراما تساهم في تغذية السلوك العنفي لابناء المجتمع ومن ثم زيادة معدلات الجريمة في الواقع.
في حين يرى بعض كتاب الدراما أن الواقع ذاته ممتلئ بانماط مختلفة من الجرائم وما تقوم به الأفلام والمسلسلات هو فقط تناول هذه الجرائم باعتبارها مشاكل ومعالجتها ليس الا.
نظرية التهيئة السلوكية تؤكد ان الكثير ممن يشاهدون افلام العنف تتشكل في وعيهم نماذج سلوكية بتأثير تلك الافلام ومع اي موقف يتعرضون له في الواقع يقومون باستحضار تلك السلوكيات العنفية ومن ثم تطبيقها.
قبل سنوات خرج شاب مراهق في احدى المدن المصرية متجها الى احد المقاهي ووضع سلاحه الناري على رقبة احد الاطفال وطلب من صديقه ان يصوره فانطلقت رصاصات من ذلك السلاح واودت بحياة بعض الاشخاص وكان ذلك الشاب يحاكي احد المشاهد التي اداها الممثل المصري محمد رمضان في فلم عبد موتة وهذا النوع من الجرائم يسمى جرائم المحاكاة.
اغلب الدول تمتلك في خزانتها القانونية قوانين توجب الرقابة على أفلام السينما والمسلسلات وتعطي الحق للجان الرقابة بمنع عرض اي عمل فني يخالف الشروط المعدة مسبقا. وفي العراق فان قانون الرقابة على الافلام والمصنفات السينمائية رقم ٦٤ لسنة ١٩٧٣ يوجب عرض اي فلم او مصنف اخر على لجان رقابية وان على هذه اللجان عدم منح اجازة عرض الفلم لاسباب عديدة منها ان يكون الفلم مشجعا على فساد الاخلاق او اشاعة الجريمة او العنف.
باعتقادي فان السينما وفي بعض الاحيان تساهم في تعميم معتقدات الجريمة لدى الافراد من خلال مشاهد العنف سيما حين يحمل المجرم شخصية البطل الذي يحاول كاتب السيناريو تبرير جرائمه واظهاره بمظهر الرجل الخارق والشجاع مما يدفع الكثير من الشباب لاسيما المراهقين لتقمص شخصيته ومحاكاتها وهذا يسهم في تفشي الجريمة وزيادة معدلاتها ويضع كتاب السيناريو امام مسؤولية مهنية توجب عليهم ايصال فكرة اخضاع الجرائم لسلطة القانون وقوته في سيناريوهاتهم لبناء التصورات الايجابية في ذهن المواطن