محاسبة في ستة أشهر
فاتح عبد السلام
ما قيل عن مهلة أمدها ستة أشهر أمام الوزراء ووكيليهم والمديرين العامين لتقديم كشف بإنجازاتهم، ومن ثمَّ محاسبة المُقصّرين، إنّما هو أمر يحتمل الكثير ولا يحتمل شيئاً مطلقاً أيضاً.احتماله الكثير يأتي من باب افتراضي هو انّ هناك استيعاباً من الوزراء للبرنامج الوزاري الذي يبدو نسخة مكررة للبرامج الوزارية التي سبقته، ومضت الحكومات كلها وهي تلهج بآيات تنفيذه والزيادة عليه بوسة من الخشم.وإذا افترضنا انّ محاربة الفساد هي أبرز ما كان يتوسط البرنامج الوزاري فإنّها مهمة لا تستطيع انجازها وزارات ومديريات موزعة بطريقة المحاصصة ومتوارثة أو فيها مفاصل قيادية مثل وكيلي الوزارات والمديرين العامين الذين قد تكلسوا من طول فترة بقائهم عبر جميع الحكومات التي تعاقبت. ذلك انّ الفساد منظومة ذات امتداد سياسي عميق لا يمكن اجتثاثها بإجراءات منفردة وهامشية في أحسن الأحوال قد يقوم ببعضها وزراء أو قد لا يفعلون ذلك أيضاً
.إنجازات الوزارات لا يمكن مراقبتها لأنّ الدولة لا تضع مواصفات ذات قياس معروف عالمياً في تنفيذ البنود ومعاينة المنجز. لنأخذ عينات من المستحيل ان تتحقق المحاسبة فيها في ظل وضع سياسي عراقي معروف للجميع، لنأخذ من ذلك، وزارة التربية ومدارس الطين التي يتكدّس فيها التلاميذ من دون رحلات دراسية، ولنأخذ الخدمات الصحية والفساد المتنافذ بين المستشفيات العامة والخاصة وحشد الأطباء ناقصي التأهيل والخبرة، ولنأخذ الرواتب الفضائية التي تستتر تحت عناوين أمنية وعسكرية وما بينهما، ولنأخذ هيئة الاعلام والتضخم المرعب في كوادرها وانتاجها المسيس ذي «اللون الفستقي» الواحد الذي يكاد لا يخطو أمتاراً خارج الأبنية الوثيرة لها. ولنأخذ الجامعات التي ليس لها وجود في التصنيفات العالمية من حيث عدد البحوث العلمية والمؤتمرات الرصينة المحكمة إلا ما ندر وبجهد فردي جداً، ولنأخذ السياحة التي يفترض ان تجعل بلاد بابل والرافدين وسومر والزقورات قبلة عالمية كما اهرامات الجيزة في مصر، ولنأخذ الكهرباء الراقدة على كف عفريت، أو الزراعة والري والبيئة المثوولة أمام مشكلة التصحر العالمية، وكلها مشكلات كبرى لا يمكن أن ينجزها وزير جاء الى وزارة ذات طبقية تحاصصية متكلسة، ولا يريد اثارة مشاكل مع الوكيلين الأقوى منه عمقاً ونفوذاً وسنداً.
هذا هو واقع مرير به حاجة الى تغييرات في بنية جوهر الدولة كمفهوم مستقر محصن والسلطة كجهاز تنفيذي متغير، ولا حاجة لنا للكلام عن مجلس النواب الذي لا يصفو من بين «الشعب” في الوصول الى مقاعده إلا مَن كان في حكم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبعُ منها …أو مَن رحمَ ربي.