مجرد أزمة ثقة
حمزة مصطفى
لايخرج أكثر من 85 % من العراقيين الى الانتخابات كل أربع سنين بسبب أزمة الثقة بين المواطن والنظام السياسي. يخرج العراقيون منذ عام 2011 الى اليوم الى ساحات التظاهر مطالبين بالتعيين مرة وبالخدمات مرة وبتغيير النظام السياسي في كل المرات. لماذا؟ لأن هناك أزمة ثقة. لا المواطن يثق بالمسؤول والنظام ولا المسؤول الفرد أو المنظومة السياسية كلها تستطيع إقناع المواطن بأنها “على صح” وهو “على خطأ”.
تحاول أنت الوقوف بالوسط. من أنت؟ صانع الرأي أو الإعلامي أو الأكاديمي أو المحلل السياسي أو الخبير الإستراتيجي بشؤون حتى جماعات الخمير الحمر لكي تقول للمواطن أن “العافية درجات”, وفي الوقت نفسه تقول للمسؤول أن عليك أنت وربعك عمل كذا وكيت لإقناع الناس لكي يخرجوا للإنتخابات ولايخرجوا للتظاهرات الإ في عيد الحب إحتجاجا على نقص الورد الأحمر.وتستمر الجنجلوتية, المواطن الذي تريد إقناعه بنظريتك العافيوية الدرجاتية يقدم لك لائحة إتهامات طويلة عريضة تخص عورات ومشاكل وإشكاليات النظام السياسي.
وقبل أن تبدأ بتهيئة لائحة دفاعك من منطلق نظريتك العافيوية الدرجاتية يسدد لك ضربة قاضية عبارة عن سؤال “ماكتلي شنو رايك بسرقة القرن؟”. وفي محاولة منك لإستعادة توازنك من أجل الإستعداد لهجوم مقابل كأن تقول له لماذا لاتمارس حقك بالإنتخابات؟ لماذا تمنحونهم كل أربع سنين فرصة العودة ثانية الى المشهد بجمهورهم الذي لايتعدى الـ 15 الى الـ 20% ؟ اليس المفروض يخرج الـ 80 أو 85% مما يسمون الأغلبية الصامتة ويغيروا من خلال صناديق الإقتراع؟ هنا لايستجعل المواطن الهجوم عليك بل يبقى ينتظر لكي تنهي كل مافي جعبتك, إذا عندك جعبة.
وبينما بدأت تعتقد أنك رديت الصاع ولو ربع صاع حتى يستأنف المواطن هجومه عليك من جديد لافتا نظرك ونظر جينين بلاسخارت الى أن القانون الذي تجرى الانتخابات بموجبه مازالت الطبقة السياسية تصممه على مرامها. ليس هناك فرق بالنسبة لها إن كان القانون سانت ليغو معدل أو غيره أو قانون فردي والفوز بأعلى الأصوات.
كما لايفرق لديها أن يكون العراق دائرة واحدة أو عدة دوائر. ففي الحالتين هي الرابحة و”مصوكرة” وضعها في المناطق بصرف النظر عن نوعية الدوائر الانتخابية. قد يبدو هذا الكلام في مجمله صحيح ولكنه ليس حقيقيا بالكامل. فالمواطن وبسبب أزمة الثقة بالنظام السياسي لايريد أن يصدق أي إجراء حتى لو بدا سليما ويمكن أن يكون بوابة للتغيير. فهذا المواطن وصل الى قناعة أن الطبقة السياسية الحالية التي تمكن شخص واحد إسمه “نور” من خداعها أو التخادع مع بعضها لكي “يلهف” مليارين ونصف المليار دولار في غضون سنة تقريبا لايمكن أن تكون موضع ثقة إذا أرادت تغيير قانون أو القيام بما يبدو عملا يمكن أن يؤدي الى تغيير جدي. ماهو الحل إذن؟ الحل في الإجراءات الصحيحة التي يمكن أن تقنع المواطن أن هناك تغييرا في كل المسارات وبخاصة إصلاح المنظومة السياسية بما يستجيب لرغبات الناس بالتغيير.
ربما ينهض سؤال هنا من يغير هذه المنظومة السياسية التي أدمنت السلطة ومنافعها؟ قد تبدو الإجابة صعبة على هذا السؤال من منطلق أزمة الثقة ذاته. أزمة الثقة تحتاج الى إجراءات ثقة بين النظام السياسي والمواطن.
المصارحة والشفافية في عرض الحقائق أمام المواطن عبر الرأي العام من شأنه تضييق مساحة الإتهامات والشكوك فضلا عن إحراز تقدم في الإصلاح السياسي والإقتصادي والخدمي بما يؤسس لدولة يذوب فيها مصطلح الطبقة السياسية أو العملية السياسية.
عشرون عاما تكفي لأن تذوب مفاهيم ومصطلحات المرحلة الإنتقالية. يكفي تجريب براس المواطن.