ما حدود الجيل السياسي؟
د. فاتح عبدالسلام
يتفق معظم الباحثين على انه يمكن تحديد المدى الزمني والملامح الاساسية للجيل من خلال فاعلية الأداء الإنساني للبشر في حدود أربعين سنة وقد تمتد الى خمسين في المجتمعات المتقدمة، وهي المدة الزمنية التي يكون فيها الانسان مؤهلاً لأداء دور في المجتمع والحياة بعد بلوغ سن العشرين واكمال الحد الأدنى المقبول من الدراسات الجامعية لتمتد مسيرته العملية أربعين سنة تنتهي بالتقاعد في سن الستين، قبل ان يتم التلاعب بقوانين هذه السن ومدها الى الخامسة والستين غالباً وربما اكثر قليلاً. وحين نلقي نظرة على الجيل السياسي الحاكم في العراق اليوم نراه قد تجاوز في اغلبيته هذه السن المتناسبة مع مفهوم الجيل، وتجاوز معظم السياسيين على حصص يفترض أن ينالها الجيل التالي . ثماني عشرة سنة لا تزال نفس القوى والشخصيات في الحكم مع تبدل طفيف في المناصب والوظائف، وكانوا قبلها بثلاثين سنة هم انفسهم يعملون في المهنة السياسية الحزبية المغلقة ذاتها غير القابلة للتطور، لذلك باتوا قديمين الى درجة استهلاك افكارهم ورؤاهم، هذا اذا حسن الظن بهم وقلنا انهم كانوا يمتلكون رؤى. البلد بحاجة الى الخبرات المتراكمة لمن تجاوزوا الستين لكن ليس بالضرورة عبر الاحتكار السياسي، وانما من خلال فتح المجالات الصناعية والزراعية والتنموية والمعرفية والعلمية لمن كان له دور في نهضة العراق في العقود الماضية، بالرغم من انّ ذاك الجيل المقصود في طور الانقراض والتبدد في الداخل أو في الشتات. الان سوف تتكرر نفس الأخطاء في اختيار المناصب وامتداداتها الى المناصب المفصلية الأهم من الحقائب الوزارية، ولا أقول أتمنى أن لا تتكرر، لأنها ستتكرر لامحالة، ذلك انّ العقليات المتداولة في المشهد السياسي وما وراءه في الكواليس غير قابلة لتقبل الجديد، فضلا عن تقبل الاخر، وانّ أيّ مختلف معها في الرؤى يكون ذا مرام مشبوهة ويتم استبعاد التعامل معه. وبعد ذلك، نبقى نتساءل، مَن هو المؤهل للشروع في الخطوة الأولى من اجل وضع البنيان الداخلي للبلد على سكة قوانين لا يمكن التجاوز عليها، وقابلة للتجدد مع تطور الاحتياجات، وليست قوانين ابدية.