ماهي إحتمالات ظهور موجة ثانية من مرض فايروس كورونا المستجد COVID-19 في العراق وماهي تداعياتها
بقلم الدكتور جاسب لطيف علي الحجامي
من الواضح و الجلي ان المعلومات عن فايروس كورونا المستجد Covid-19 لازالت غير كافية رغم مرور ما يقرب من العام الكامل على بداية ظهوره في مدينة ( ووهان) الصينية في شهر كانون الاول ديسمبر من العام الماضي و كثيراً ما يخيب توقعات العلماء و الباحثين حيث انه ينتشر عندما تكون هناك توقعات بإنخفاض انتشاره كما حصل في الصيف الماضي عند ارتفاع درجات الحرارة و احيانا ينخفض انتشاره عندما يكون هناك توقع بإزدياده. لا يوجد هناك تعريف علمي متفق عليه لمعنى الموجة، فالبعض يشبهها كأمواج البحر ترتفع الى ذروتها ثم تنخفض بشكل كبير و تصل الى الحضيض وهنا تكون انتهت موجة و تعود لترتفع مرة اخرى وهنا تكون قد بدأت موجة اخرى ،و افضل مثال على ذلك هو الانفلونزا الاسبانية التي ضربت العالم عام ١٩١٨م بثلاث موجات متعاقبة كانت الموجة الثانية اكبر واوسع و اشد فتكاً من الاولى التي انتهت تقريبا في شهر آب ثم بدأت الموجة الثانية التي بلغت ذروتها في شهر تشرين الثاني نوفمبر من نفس العام. و على هذا التعريف فمن المستبعد جدا حصول موجة ثانية في العراق هذا العام و لكن هذا لا يعني عدم حصول زيادة بعدد الاصابات او الوفيات. اما البعض الآخر من العلماء فيعرف الموجة الثانية هو كل زيادة ملحوظة بعدد الاصابات تعتبر موجة ثانية، و على هذا التعريف فإن بعض العلماء يعتبرون ان معايير الموجة الثانية قد تحققت في بعض الدول و خير مثال على ذلك ايران و حتى الولايات المتحدة الامريكية و بعض الدول الاوربية ، و على هذا التعريف فمن الممكن ان تحدث موجة ثانية في العراق اذا ازداد عدد الاصابات و عدد الوفيات بشكل ملحوظ. و رغم انه من الصعب جداً التكهن بما يمكن ان يحصل في العراق حيث تجري الامور احياناً عكس التوقعات، فالجميع توقع انخفاض عدد الاصابات في العراق في حر الصيف اللاهب كما هو في مرض الانفلونزا الاعتيادية و الامراض التنفسية الاخرى لكن العكس هو الذي حصل، والجميع توقع زيادة كبيرة في عدد الاصابات و الوفيات بعد التجمعات المليونية و عدم التزام افراد المجتمع العراقي و أيضا الذي حصل هو العكس، و كان من المتوقع جدا ازدياد عدد الاصابات و الوفيات عند بداية انخفاض درجات الحرارة و لكن الاعداد انخفضت و انخفضت نسبة الوفيات بشكل ملحوظ جدا. قد يقول البعض ان انخفاض عدد الاصابات و الوفيات مرده الى انخفاض عدد الفحوصات و هذا الكلام غير دقيق حيث ان عدد الفحوصات في دوائر الصحة في بغداد على الاقل تضاعفت بشكل ملحوظ قابله انخفاض ملحوظ بعدد الاصابات و الوفيات و انخفضت نسبة الوفيات بشكل كبير ، و يستشكل البعض و يقول ان الناس امتنعت عن مراجعة المستشفيات و التزمت البيوت و هذا جوابه ان الجميع تم تشخيصهم عن طريق مختبرات وزارة الصحة حيث لا توجد مسحات في المختبرات الخاصة و اما التزامهم منازلهم فهذا جزء من سياسة وزارة الصحة و هذا يجري بعلمنا و تخطيطنا و يسمى ( العزل المنزلي) حيث ان معظم الحالات لا تحتاج الى دخول المستشفى. لماذا انخفض عدد الاصابات في العراق خصوصًا في الوسط و الجنوب مقارنة بالدول الاخرى و الاردن اوضح مثال على ذلك حيث تزداد لديهم الاصابات بشكل كبير مع ارتفاع بعدد الوفيات؟! هناك حقيقة لمسناها من خلال متابعتنا اليومية ان الذين فقدوا حياتهم من الاطباء مثلًا هم ليسوا من العاملين في ردهات كورونا وهذا واضح جدا في دائرتنا حيث ان الذين قضى عليهم الفايروس هم من اختصاصات جراحة القلب و الجراحة العامة و جراحة الانف و الاذن والحنجرة و النفسية … الخ و من الواضح جدا ان العاملين بتماس مع المرض اكتسبوا مناعة تدريجية تقيهم من الاصابة او تكون الاصابة لديهم غير مميتة ( حفظ الله جميع الموجودين و رحم من استشهد منهم)، و هذه مقاربة يمكن ان نعلل بها انخفاض الاصابات و الوفيات في العراق يقابله زيادة مضطردة للاصابات و الوفيات في الاردن و في جميع البلدان التي اتبعت الحجر الصحي و الاغلاق الشديد لفترات من الزمن ثم ما ان رفعت الحجر حتى انتشر الفايروس بينهم بشكل كبير ادى الى عدد وفيات كبير. و اذا بنينا على هذا المثال فهذا معناه ان شيء من( مناعة القطيع herd immunity ) قد حصلت في العراق و يعزز ذلك الحجر الشديد و الاغلاق الذي اتبع في محافظات كردستان في بداية تفشي المرض ادى الى عدم حصول تلك المناعة لدى اغلب المواطنين و هذا يفسر ارتفاع نسبة الوفيات في تلك المحافظات، و يبقى هذا الاحتمال بحاجة الى تأكيد من علماء و خبراء علم الفيروسات في العراق و نأمل ان يطرح ذلك ببحوث في مؤتمر الدائرة العلمي الذي سوف يعقد في منتصف شهر كانون الاول القادم و الذي خصص للبحوث الخاصة بجائحة كورونا في العراق. ذكرت سابقاً في احدى المقالات ان المستكشفين الجدد نقلوا فايروس الجدري الى سكان المكسيك الاصليين فمات منهم ما يقارب ٩٠ الى ٩٥٪ من سكان المكسيك وذلك لعدم وجود مناعة سابقة ضد الفايروس في اجسادهم. لا يوجد لغاية اليوم دليل واضح على ان فايروس كورونا المستجد COVID-19 قد فقد قوته او اصبح اشد فتكاً او انه تحور و اصبح سهل الانتشار. و في ختام الحديث نقول ان الاستمرار باتباع سبل الوقاية التي اهمها التباعد و ارتداء الكمامة في ظروف معينة و التعقيم أيضًا في ظروف معينة هو افضل بكثير من اتباع اسلوب الاغلاق و الحجر الشديد فالتجارب و الامثلة واضحة على عدم جدواه و علينا ان نغير كثيراً من فهمنا للفيروس و كيفية التعامل معه فالمعركة طويلة و يجب ان نروض العدو لصالحنا.