ماهية البنية الدستورية واشكاليات تطبيق الديمقراطية الحقة ؟؟؟
جسار صالح المفتي
ماهية البنية الدستورية واشكاليات تطبيق الديمقراطية الحقة ، في أيّ مجتمع، على قدر كبير من الأهمية، أكان على مستوى المعرفة العلمية أم على مستوى المعرفة الإجرائية، وذلك باعتبار أن الدولة هي الكيان الدائم والمستقر القانوني لإرادة المجتمع،
وأن الحكم الديمقراطي هو أسمى أساليب الحكم.يعتبر موضوع الإصلاح الدستوري والسياسي وبناء الدولة الديمقراطية ” وأن كان يستمد مشروعيته من أهميته التاريخية واستمراره مطلبا للتجديد وأفقا لإعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع، فإن ثمة محددات كثيرة أخرى قد ترفع من شأن هذا الموضوع، وتزيده من قيمته وراهنتيه، وفي صدارة تلك التغيرات والديناميات والتحولات التي عرفتها المجتمعات وإعادة صياغة علاقة جديدة بين المجتمعين السياسي والمدني.ولقد تميزت الدستورانية بكونية الأهداف والمقاصد،
وعملت على إنضاج شروط دمقرطة الحياة السياسية، واستقامة أداء المؤسسات، ويحتل النص الدستوري في نظامها القانوني مكانية رئيسية، يتموقع في قمة الهرمية القانونية، بل هو أساس كل النظام القانوني في مبادئه وقيمه وترابيتة مؤسساته.إن تحقيق التحول الديمقراطي المنشود لا يتوقف عند إدخال بعض الإصلاحات على النص الدستوري، بل لا بد من استكمال بناء الصرح الدستوري وتحقيق توزان بين السلطات، وكذا نشر الثقافة الديمقراطية في كل مفاصل الدولة والمجتمع.لم تعد الديمقراطية، في مفهومها، إجراءات سياسية أو حصيلة عددية لنتائج العملية الانتخابية،
وإنما كمنظومة قيم وأنماط من التفكير؛ إذ إنها تُبنى على أسس ثقافة الحوار والتفاوض واحترام الأخر والاختلاف في وجهات النظر. فـ”الديمقراطية المستدامة” ترتبط بالنسق الثقافي للمجتمع، وتعتمد على القيم الاجتماعية ومعتقدات المواطنين.
في هذه اللحظة السياسية الانتقالية من التاريخ السياسي لمجموعة من الأنظمة السياسية، فهذه الأنظمة لم تعد كما كانت، ولكنه في نفس الوقت لم تأخذ شكلا جديدا مكتملا وواضحا. فنحن في مرحلة انتقال سياسي تجمع بين ثلاث حالات متناقضة وهي: استمرارية مظاهر السلطوية، وظاهرة الانفتاح الليبرالي، ووجود بعض مؤشرات مداخل الانتقال الديمقراطي.
إن الانتقالات تظهر كأوضاع تاريخية يتنافس فيها مختلف الفاعلين حول طبيعة القواعد السياسية مما يجعل منها مسلسلات مفتوحة على ثلاث سيناريوهات: إما الانتكاسة والرجوع إلى التسلطية، ونكون بالتالي أمام انتقال مجهظ أو الاستمرار في الإبقاء الصوري والهش للمؤسسات الديمقراطية أو فرضية الديمقراطية التي تؤشر على الانتقال المنجز.وتتسم عملية الانتقال إلى الديمقراطية في كافة بلدان العالم بدرجة كبيرة من التعقيد،من ناحية،
وبتعدد مساراتها والاختلاف البين في نتائجها، من ناحية أخرى، ويعتمد ذلك إلى حد كبير على مستوى التطور الاجتماعي –الاقتصادي في البلد المعني، وعلى الظروف الإقليمية والعالمية السائدة في اللحظة التاريخية التي يحدث فيها هذا التحول . ومن ثم، يمكن القول بأن خبرة بلد ما في التحول غير قابلة للنقل الميكانيكي والتطبيق في بلد أخر، وعلى الرغم من ذلك، تكشف العلوم الاجتماعية على اختلاف مشاربها،عدد من السمات البارزة والدروس المستفادة من هذه العملية والتي يمكن أن تعين في علمية التحول الديمقراطي.
ولعل أهم هذه السمات والدروس المستفادة هي أن عمليات التحول الديمقراطي تتصف بأنها عملية طويلة الأمد. ولقد شهدت المجتمعات العربية، وما تزال تشهد ديناميات وتحولات حتى اليوم،
لم يتوقع احد بوقوع الحراكات الاحتجاجية وذلك بالرغم من حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشديد والمتصاعد الذي عرفته هذه المجتمعات على مدار السنوات العشر السابقة على الأقل.ولعل أبرز التحديات التي تواجه عملية التحول الديمقراطي وبناء الدولة الديمقراطية بصفة عامة، هو انه من العسير جدا تغيير الأنماط الاقتصادية والاجتماعية المترسخة. ويتطلب المضي على درب التغيير نضالا مستمرا.
مُعضلة الديمقراطية!!! إذا كان المُصوتون أغلبهم يجهلون فعلى من إذن تقع مسئولية إتخاذ قرارات بشأن المنفعة العامة؟و بالكاد يعلمُ ثلث الناخبين الأمريكيين أن القاعدة الماركسية الشهيرة ” كلٌ حسب مقدرته و بقدر حاجته ” تظهر جلية بين موادِ الدستور ..بينما كثيرٌ منهم لا يقدر حتى على تسمية إحدى فروع السُلطات الثلاث القابعة على رأس السلطان بالولايات المُتحدة الأمريكية ..
أيضاً ، أقل من الربع يعلمون بوضوح أسماء نواب ولاياتهم و نصفهم على أعلى تقدير يعى أن ولايته رُبما تملك نائبين أو أكثر !! إن الديمقراطية هى توصيفٌ للناس الآخرين و لطالما إبتُليت القلة المُتنورة بجهالةِ الأكثرية و ضلال السواد .
حكومة الفلاسفة ،تمييز المُتعلمين و إمتحانات أمية الناخبين : كان الفيلسوف اليونانى أفلاطون فى طليعة من رأوا فى الديمقراطية مُعضلة و رصد فيمن يترعرعون فى كنفها رصيداً وفيراً من البلادةِ و الطيش فقال : ” تجده (أى المواطن) فى أعتى حالات السُكر وهو يُصغى بإهتمامٍ لمعزوفةٍ عبر الناى بينما فى أوقات أخرى تجده يتبع الحمية ولا يشرب غيرِ الماء .
أحياناً يُسارع للكدِ و التدريب الجسمانى و تارة يستكين مُهملاً كل شىء و أخرى تلقاه و قد شغل نفسه و ملأ وقته بما ظنه فلسفة ! ” ظن أفلاطون أنه من الأمان بمكان أن نترك السلطة بيدِ نفر من المتنورين المُتفرغين (الفلاسفة) لكى نضمن بقاء عقولهم فى حالة من النقاء بعيداً عن بواعث الشتات و عوامل القلق من عائلةٍ و أموال و شهوات النفس الدافقة فإقترح عزلهم بمُجمعات مُدارة يوجينياً ( إنتقائية نسلية ) حيث يتم تنشئتهم على أن يهابوا وقع الذهبِ و أن يُمنعوا من تذوق الأدب و قراءة سوره و أعماله التى تحوى بين سطورها ضمائر المُتكلمين مما يأخذهم فى آخر الأمر إلى أن ينسوا ذواتهم فلا تلدغهم أنانية ولا توجههم مصالح ذاتية .
كان تنظيره ( أى أفلاطون ) بيزنطياً (ثقافة المثقفين المُعتزلين للواقع ) و سخيفاً حتى لقد ظن عديدون أنه لم يكن فى الأساس جاداً!! فــ”توماس هوبز ” (فيلسوف و رجل منطق إنجليزى ) على سبيل المثال لا الحصر كان قد وَسَمَ الفكرة بــ” إنعدام الفائدة” . على صعيدٍ آخر،
و فى القرن التاسع عشر. أتى جون ستيوارت مل (فيلسوف ليبرالى إنجليزى) بإقتراح أكثر عملية يُمنح بمؤداه الذين تتطلب وظائفهم توقد الذكاء و الحاصلين على شهادات جامعية أصوات أكثر ( و فى الواقع فإنه أيام “مل” إمتلكت الجامعات الكُبرى دوائرها الإنتخابية الخاصة بها ما أتاح لطالبٍ من أكسفورد مثلاً أن يُدلى بصوته مرتين الأولى ضمن أسوار الجامعة و الثانية حسب المكان الذى يقطن فيه و إتُبع هذا التقليد لقرون حتى تم إلغاؤه عام 1950 ) مشروع “مل” الكبير _ فى وقت لم يكن مُتاحاً فيه إلا لتسعة بالمائة من إجمالى الراشدين الإنكليز أن يُصوتوا _ تضمن زيادة أعداد الناخبين مع إدماج النساء إلا أنه ساوره قلقٌ من كون المُصوتين الجُدد سيفتقدون بالضرورة للمعرفة و مَلكةِ الحكم الصحيحة (الناشئة عن الخبرة و التجربة ) فوضع نُصب عينيه الأصوات المُكَمِلة و إرتكز عليها كقاعدةٍ رئيسة ضد الجهل و التغييب .
من جانبهم خشيت صفوة الولايات المُتحدة الأمريكية من تصويت الفُقراء الجهلة فإتجهت لمنع الإقتراع لهم . و فى العام 1855 قدمت ولاية كونكتيكت أول إمتحانٍ لقياس تعليم ناخبيها ..
و فى عام 1868 إعترض على ما سبق نائب نيويوركى عن الحزب الديمُقراطى بحُجة أنه إذا كان الناخبُ جاهلاً فإنه فى أَمَسّ الحاجةِ للإدلاء بصوته حتى يضمن أقصى حماية و حفظ لحقوقه !! فى النصف القرن اللاحق لهذا الحدث إنتشرت إمتحانات الأمية و ملأت الولايات ذيوعاً ما ساعد عُنصريى الجنوب فى الإحتيال على المادة الخامسة عشر ( الكافلة لحقوق السمر ) فحرموهم حقهم الشرعى فى الإنتخاب الأمر الذى تطور مطلع القرن العشرين تحديداً عام 1921 بنيويورك المُكتظة بالمُهاجرين حيث فُرضت الإمتحانات على الناخبين الجُدد لمعرفة ما إذا كانوا قد تخطوا الصف الثامن ( ما يُماثل الإعدادية عندنا بمصر ) فرسب 15 % !!
و إستمرت الإمتحانات إلى أن أُلغِيت بالكُلية بأمر من الكونجرس عام 1975 بعد سنواتٍ من شجب الحركات الحقوقية و تبشيرها بعدم فعاليتها . و خَفتت حِدةُ القلقِ على ذكاءِ الناخبين إلا أن عرض “مل” لهو عادلُ و خلاب تبعاً لــ “دايفيد إيستلوند” الفيلسوف و الباحث السياسى بجامعة براون والذى حاول فى كتابه “سُلطة الديمقراطية ” الصادر عام 2008 أن يسوق مُسوغاً فلسفياً للديمقراطية يُنجَزُ فقط بالتوفيق بين إثنتين : أولهما الإجراءات الديمقراطية المُساهمة فى إنتهاج سياسة قويمة و ثانيتهما سلامة و صلاحية تلك الإجراءات فى عيون المُراقبين من أهل الحل و المنطق .
فالإنصاف وحده ليس كافياً لأننا كما ذكر “إيستلوند” نُقدر الديمقراطية لسعيها الدائم لعدل نصاب الأمور و تغيير مُجرياتها للأحسن بإستخدام المعلومات التى نمدها بها إثر عملية التصويت بالرغم من أننا (أى الأمريكيين) يبدو أننا نعيش هذا العام (2008) فى رُقعة صلدة و ظروفٍ صعبة إلا للإنصاف أنه للديمقراطية خط سير مُعتدل .
من جانبها بيّنت “أمارتيا سين” الفيلسوفة و الباحثة الإقتصادية أن الديمقراطيات لا تتضمن على أراضيها مكاناً للمجاعاتِ بينما ذهب آخرون أبعد من ذلك بقولهم أنها (أى الديمقراطيات) تكفل للبشر ألا يحاربوا بعضهم البعض و ألا يقتل حاكمٌ شعبه و أنها تكفل فى الغالب أنموذجات لإنتقالاتٍ سلمية للسلطة و إحترامٍ لحقوق و خصوصيات الإنسان بنسبة تفوق ما يدعى إتباعه أى نظام سياسى بديل
.مع كل هذا تظل الديمقراطية بعيدةٌ كُل البعدِ عن الكمال و هى كما وصفها ونستون تشرشل ( رئيس وزراء إنجلترا فى الحرب العالمية الثانية خلفاً لألكسندر تشمبرلين) فى مقولته المأثورة : “أسوأ أنواع الحكومات ولا يُضاهيها سوءاً سوى الأنواع الأخرى التى تمت تجربتها و فشلت بالفعل !! ““الإبستوقراطية” ..سطوة المعرفة و سلطان المثقفين : لذا ،
فإذا كُنا مُقدرين لقوتها الدافعة لإتخاذ أفضل القرارات فلما لا نقم بتجربة نظام حكم أقل عدلاً و لكنه يُحسن فى قراراته تجاه الناس أكثر من الديمقراطية ؟ بإدماج آخر المُرادف اليونانى لكلمة معرفة مع مُرادف كلمة حكم فى ذات اللغة ، خرج علينا “إيستلوند” بمُصطلحٍ جديد ألا و هو ” إبستوقراطية” وهى تُعنى حُكم الأكثر علماً من أصحاب المعارف و هذه فكرة “سيرغب مُحاميو الديمقراطية و بقية أعداء التعسف أن يُعارضوها ” كما ذكر “إيستلوند” الذى عدَّ نفسه من المُعارضين و كأمر فلسفى بحت لم يرى “إيستلوند” سوى ثلاثة أوجه للإعتراض مقبولة . الأول منها ، أن المرء بوسعه رفض الأخذ بالحقيقة بوصفها معيار إعتيادى مُلائم للحكم سياسياً ..الأمر قد يبدو مُستفحلاً إلا أنه متوقع فى علم فلسفة السياسة . بعد كل هذا فى السجال الدائر فى مواضيع جدلية كالحديث عن توقيت بداية عُمر الإنسان ، أو عن ملائمة أفعال البشرية للبيئة و الكوكب ككل
فإن كل مُناشدة للحقيقة تُعتبر إثارة و يُعد الأخذ بها (الحقيقة) باتاً لا فصال فيه ولا رجعة عنه ما يؤدى بنا فى آخر الأمر إلى منع الجدال و إنهائه كما أشارت “هانا أرندت ” فى هذه المجلة ( النيويوركر) عام 1967 مُضيفة أن المُناظرات ( المحاورات الفلسفية أو الديالكتيك) تُشكل عصب الحياة السياسية . “إيستلوند” لم يكن نسبياً إلا أنه أذعن للرأى القائل بوجوب إبتعاد رجال السياسة عن نشدان الحقائق المُطلقة مع أنه آمن أن على المُنظِّر السياسى أن يفعل العكس . الإعتراض الثانى حول “الإبستوقراطية” يتمحور حول رفض فكرة زيادة معرفة مواطنين عن الحكومات السديدة بشكل أكبر من قُرنائهم .
و “إيستلوند” ببساطة لم يجد هذه الفكرة مقبولة و هو ما لا يسع أى فيلسوف سياسى إلا موافقته فيه . الوجه الثالث و الأخير ، هو إنكار إضفاء زيادة المعرفة لسلطة سياسية أو كما لخّصها “إيستلوند” فى جملته :” أجل ، رُبما تكون على حق لكن من سلّمك القِياد و جعل منك رئيس ؟ ” هذا سؤالٌ جيد و أرخى “إيستلوند” دفاعه عن الديمقراطية عليه إلا أنه أحس بواجب يدفعه للنظر فى ثغرات تنظيره فقد تسلل إلى نفسه شك فحواه أن حكومة أرساها ناخبون مُتعلمون و يرأسونها لربما تؤدى بشكل أفضل من أخرى ديمقراطية .
.و ظن أيضاً أن أى عيوب يُمكن مُعالجتها و إصلاحها فلو ظهر أن عرقيات تاريخية مظلومة كالسُمر أو النساء لم يُحسن تمثيلها فى النظام الإبستوقراطى فإن هؤلاء من لم يكونوا على قدر من الجودة يُمكن أن يُمنحوا أصوات إضافية على سبيل التعويض . وبنهاية تحليل “إيستلوند” يتضح لنا وجود إعتراضين عمليين ضد ” الإبستوقراطية” لازالا مطروحين و هما أولاً أن طريقة الإبستوقراطية فى غربلة الناخبين تملك من الجور بمكان ما يجعلها غير قابلة للإنتباه فى التوِ و اللحظة و بالتالى لا يُمكن تصحيحها و ثانياً أن حق التصويت العام مُترسخٌ فى شخوصنا لدرجة تجعلنا نشعر أن إعطاء المُتعلمين أولوية عن الجهلة و سلطان عليهم سيكون فى دائم الحال تعسفاً و جوراً أكثر من إعطاء زمام القيادة للأغلبية على الأقلية .و بينما تنهار دفاعات الديمقراطية تظل هذه الأسباب أقل إستفزازاً من مقولة تشرشل
فى كتابه الجديد “ضد الديمقراطية ” دحض جيسون برينان الفيلسوف و المفكر السياسى بجامعة جورج تاون مزاعم “إيستلوند” القائلة بعمومية “التصويت العام” و يذهب برينان إلى حتمية تقليص النفوذ السياسى لمن أسماهم بــ”اللاعقلانيين” و “الجهلة” و “الغير كُفء” على غيرهم من المواطنين . و إستطرد برينان رداً على “عُقدة” إيستلوند الخاصة بالمساواة بين البشر فى أحقية الإنتخاب و التصويت بالتأكيد على كون المصلحةِ العامة أدعى للنظر و أهل للإهتمام من مشاعر شخصٍ مجروح ..و يُضيف برينان ”
و بالرغم من كل شىءٍ ، قليلون رُبما يعُدون من الظُلمِ إستبعاد المُحلَّفين الفاقدى الأهلية من حيث إفتقارهم للأخلاقيات المرجوة أو الإدراكِ المطلوب “. أما بالنسبة إلى قلق ” إيستلوند” من الخطأ الديموجرافى (السكانى) الناجم عن إستبعاد لشرائح كبيرة من المجتمع فإن برينان يكنسه بسهولة و يسر وقد أظهرت البحوث التجريبية أن البشر نادراً ما يصوتون إبتغاء مصالح شخصية و آمال فردية ضيقة و أن كبار السن من الناخبين عادةً ما يفضلون الأمن الإجتماعى أكثر من الشباب ..وهنا يقترح برينان إنطلاقاً من قاعدة تنوير الناخبين فى النظام الإبستوقراطى و إلمامهم بمخاطر الجريمة و مفاهيم الأمن العام فإن ” إستبعاد ثمانين بالمائة من الناخبين البيض قد يكون بالضرورة ما يحتاجه قُرنائهم من السُمر الفقراء !!
“إن برينان يمتلك أسلوب فُكاهى تصارُعى وهو يملك روحاً رياضية تستدعيه لنبذ التقوى الدينية و سحق المنطق الضعيف . وهو يكتب ” إن حق الإنتخاب قد يُعد دلالة على كرامتنا كبشر لكن هذا لا يُعتد به كدليل فقد عدَّ القُدماء فى نيوغينيا مرةً أكل اللحم الإنسانى من طقوس إحترام الموت ” و بالنسبة إليه (أى برينان) فإن إعتقادنا المُتعاظم فى الجدال السياسى يُضاهى فى عدم ثباته تصديق البعض أن نشاطات الجامعة تؤسس الشخصية .
و يرسم برينان بإسهاب أدلة جهل الناخب الأمريكى العادى مُستعيناً بكتاب زميله الباحث و الفيلسوف إيليا سومين “الديمقراطية و الأمية السياسية” الذى بيَّن فيه الأخير سيرورة جهل الناخب الأميركى عبر العصور بالرغم من إرتفاع نسب المُتعلمين و تطور مستويات الوعى . فى ذات السياق ، تجادل العديد من خُبراء الإقتصاد حول أن الناخبين سيئو الإطلاع عوضاً عن كسلهم و ضرهم لذواتهم يجب إعتمادهم كناخبين راشدين حتى ولو كانت معُدلات تأثير أصواتهم فى العملية السياسية ككل ضيئلة .أيضاً ،
فى كتابه ” أسطورة الناخب الراشد ” أشار الإقتصادى براين كابلان أن الجهالة رُبما تكون مُحببة إلى نفوس الناخبين “فبعض الإعتقادات تسترعى إنتباه العواطف و تستحوذ عليها .. فإذا كانت أصواتهم غير مؤثرة فلما لا يُغدقون نفوسهم و يُغرقونها فيما تُريد هى أن تُسلِّم بصحته ” سواءٌ أصح الأمر أم جانب الصواب يؤكد كابلان أنه فقط لعدم جدوى صوت الفرد الواحد يذهب كثيرٌ من الناخبين فى مقصورة الإنتخاب إلى ما وراء مصالحهم الضيقة إلى أفاق أوسع و أرحب عامرةٌ بإيثار الغير و غمط النفس .
و بالتطلع إلى الأمر من هذه الزاوية يبدو الموضوع وكأنه أصدق شكل للتعبير عن النفس . من ناحية أخرى ، رفض برينان فى كتابٍ سابق له بعنوان ” أخلاقيات التصويت” فكرة وجوب تصويت الفرد قائلاً :”سيكون من السىء جداً ألا يحرث أحد الأرض لكن هذا لا يُعنى بالضرورة أن يُصبح الجميعُ فلاحين ” مُشيراً إلى أن فكرة الإنتخاب القسرى فى الواقع أضعف من الفِلاحة القسرية وزاد بقوله أن فرداً إذا فَوّت فرصته فى التصويت فقد أسدى إلى جاره خدمه لأن صوت جاره عندئذ تزيد أهميته !! برينان يصم من لا يَسعونَ لفهمِ السياسةِ بالتقزم و يرى أنه من الأفضل لهم لزوم منازلهم يوم الإقتراع ..
نوعٌ آخر يذكره برينان يُتابع أمور السياسة بإنهماكِ مُشجعى الكُرة و إمعانهم وهو يُسميهم المُشاغبين .و النوع الثالث فى تقسمته (أى برينان) هو الــ Vulcan’s (فولكانز) الذين يتحرون قضايا السياسة بحياد علمى ، يحترمون وجهات النظر المُغايرة ، و يُعدّلون بحذر آرائهم و أفكارهم لتلائم الحقائق التى تطلعوا لمعرفتها بجدٍ و إجتهاد , و يأمل برينان أن يحكمنا الــ Vulcan’s يوماً ما إلا أنه لا يسوق لنا الدليل الدامغ على وجودهم .فى الحقيقة ، تذكر واحدة من الدراسات التى إستشهد بها برينان أن ذوى المهارات الرياضية (الحسابية) يُحجمون عن الإستعانة بمهاراتهم حال رأوا فى إستخدامها تهديداً لتقويضها إحدى المُعتقدات السياسية السائدة .يجب ألا نتفاجىء فمؤخراً رُئىَ أن الخُبراء المُتمرسين أبدوا ثقة كبيرة فى قرارات إستحالت لكوارث كغزو العراق ، صكَّ عُملة أوروبية موحدة ، إعطاء السندات بضمان رهن عقارات و هكذا دواليك .
ليبقى السؤال كيف تعمل الإبستوقراطيةُ إذن ؟ إن برينان عازف كُل العزوف عن أن يكون واضحاً وهو ما نعيه جيداً فلقد كانت خصائص المدينة الفاضلة و ماهيتها و صفة أهلها ما أرَّق أفلاطون ..وعدم الخوض فى هذه التفاصيل هو ما وقى برينان أن يخطو على الخشبة التى ضربت أفلاطون بين عينيه !!
و أسهب برينان فى إسباغ خيارات زائدة على فكرته من أصوات أكثر أهمية لحملة الشهادات ، مجلس إبستوقراطى مُزَوَّد بسُلطة الفيتو ، إمتحان لقياس مُستويات تعليم الناخبين ، غير أنه لم يقضِ الساعات فى إحتساب ما يُمكن أن ينحرف عن سواء السبيل .فمثلاً فكرة الإمتحان ألغاها برينان نفسه فى كتابه “أخلاقيات التصويت ” لأنها ” يانعة لإساءة الفهم و الإستعمال ” .أيضاً فكتابه الجديد لا يتضمن إجراءات للحد من هذه الأخطار . بلا إسترسال ولا تناول لتفاصيلٍ أكثر فليس من الإمكان بمكان تقييم نظرية برينان بشكل نهائى .
هِب مثلاً أن الجنيات تتخذ قرارات سياسية مُتنورة لصالح الغير و أنهن لزم أن يرأسن أنظمة حكمنا .فغنى إذا عجزت عن إيضاح كيفية تعريف الجنيات و الإعلان عن مُميزات ملكة الحُكم عندهم و إذا أعقبت ما سبق مُقدماً إحتمالات مرتفعة لوقوعهم فى الخطأ كالأقزام و المُشاغبين ( نوعا برينان الأوليين) فإنك كمُتلقى ستكون محقاً أن يُخامرك الشك تجاه الموضوع برُمته ولا عيب عليك فى ذلك . بما أننا لازلنا فى أروقة مسألة الvulcans و الجنيات نتناولها بالشرح و التحليل ، الجدير بالذكر أنه هنالك فيلٌ قابعٌ فى الغُرفة . يقول برينان أن العلم بأمور السياسة يزيد فى مُنتصفى الأعمار المُتعلمين ذوى الدخل المُرتفع المُتموضعين غرباً و المُندرجين فى مصاف الجُمهوريين بعكس السُمر و النساء الذين تقل فيهم نسبة التعليم حتى انه يصرحُ ( فى قِحةٍ ) أن إمرأة سمراء لا يسعها إجتياز إمتحان سلس لقياس مستوى الناخبين !!
غير أنه مُتردد و يؤكد أن إستبعاد السمر و النساء لهو قرارٌ عارض لمشروعه الإبستوقراطى كأمرٍ مُختلف تماماً بعيداً عن إمتحانات أمية الناخبين التى تطل من الماضى الغابر و التى حصلت بغية تنحية السمر و عرقيات من البيض و إستلاب حقوقهم . هذا تفاوت فى المفاهيم حقيقٌ بالأخذ فى الإعتبار فعند الحديث عن الإنتخابات الدائرة الآن فإن أصوات السمُر و النساء تُعد تتريساً بوجه أكبر ديماجوجى
( غوغائى) أهوج ترصدته الذاكرةُ الحية و الذى للغرابة إجتمعت له صفوف البيض المُتعلمين بنسب تتراوح بين 47 % إلى 53 % . يضيف عُلماء السياسة أن هؤلاء الناخبين إيثاريين مما لا يتناغم مع الحقيقة .أيضاً ، يعترف برينان أن الشرائح الإجتماعية المُضطهدة تاريخياً كالسُمر و النساء تكسب سطوة سياسية إثر رفع المظالم عنها .
هل تعمل الديمقراطية حالياً أم تنهار ؟: فى الشهور الأخيرة ، مثل كثيرين خالطتهم و أعرفهم .أجلس مساء كل يوم أترقب بوجل مُقلباً إستطلاعات الرأى فى فزعٍ بادى أمست فيه طبيعة الديمقراطية الفاسدة و المعيبة رفيقاً أثيراً لى .لكن هل الديقمراطية حقاً تتهاوى أم تراها تحاول إخبارنا بشىءٍ ما ؟
تاق عُلماء السياسة دهراً على آمل العثور على “يدٍ خفيةٍ ” كالتى ذكرها آدم سميث فى الإقتصاد .لن يُعنى جهل الناخب شيئاً لو كانت الديمقراطية تنسج من أصوات الأفراد حكمة سياسية مُجمعة بالطريق التى يجمع بها السوق إهتمامات الأفراد و حوافزهم المختلفة للبيع و الشراء فى بناء توزيعى صائب للموارد وهو ما يفسره برينان بإيمانه أن جهل الناخبين يجب ألا يكون له شكل ولو على سبيل المثال أخطأ الناخبون الليبراليون بالقدر الذى يُخطىءُ به المحافظون لتُرك القرار بيد الأقلية المثقفة المتمركزة بينهما
لكن و للأسف للجهل شكل .حسبما قال المُنظر السياسى سكوت ألثاوس فإن الناخب المُثقف سياسياً سيكون أقل حماسة للدخول فى حرب ، أقل إنتقاماً لحظة عقاب المُجرمين ، أكثر تسامحاً إزاء المشكلات المُجتمعية ، و أقل سماحاً للحكومة بالتحكم فى الإقتصاد و الأكثر تطلعاً لقبول الضرائب بغرض تقليل نسب العجز الفيدرالى بينما وفقاً لكابلان يكن على النقيض الناخب الجاهل بالإقتصاد أكثر تشاؤماً ، أكثر شكاً فى المنافسات السوقية بين المُستثمرين و دورها فى الزيادة الإنتاجية وهو أكثر وعياً بالتجارة الخارجية و الهجرة .
من الممكن إذن أن الديمقراطية تؤتى حصادها بالرغم من فشل عُلماء السياسة من صوغ مُعادلة لشرح كيفية عملها .و من الممكن أن الناخبين يسلكون مُختصراً إدراكياً بإتباعهم العلامات الظاهرة جهراً كالإنتماءات الحزبية عند تقييم المُرشحين و مواقفهم السياسية.برينان يشك بهذا لأن الناخبين على جهلهم لن يفهموا النمطيات الحزبية لهذا الحد إلا أن المُنعطف المُختصر لا يحتاج أن يكون مثالياً ليؤدى مهمته .
على الناخبين إذن أن يلفظوا أصحاب المناصب الذين أحزنوهم وهذه التقنية البسيطة تُعرف فى علم السياسة بـ”التصويت العكسى” . سوى أن برينان يرفض قطعاً هذه الخطوة أيضاً على إعتبار أن الناخبين يعجزون عنها هى الأخرى وهو يكتب فى هذا الصدد :”إنه لمن الفرض على الجماهير للمحاسبة بشكل كامل أن تعرف أصحاب المناصب المُقصرين اللُقطاء ماذا فعلوا ،
و ما بإمكانهم أن يفعلوه و ما إذا كان المُنافسين لهم على أقدر أحسن منهم نزاهة و كفاءة ” وهو ما لا تعرفه الأغلبية وفقاً لسومين فتلك الأغلبية تلوم المسئولين على القحط و هجمات القروش بينما تُكرمهم عند الفوز بالبطولات الرياضية . كابلان من جهته يرفض “التصويت العكسى” مُستعيناً بمقولاتٍ تضمنتها كتب العديد من الفلاسفة فحواها جميعاً لا معقولية الأمر و تشبيهه بقتل الجماهير الغاضبة الفرعون إذا لم يفيض النيل .متى كان “التصويت العكسى ” موحلاً لكنه مع ذلك يُضايق الفرعون لذا فهو ليس بالضرورة عديم الفائدة و يمكنه للحظة أن يسمو بالقرارات السياسية للمُرشحين الفائزين
و لعل كل ما يتطلبه الأمر لسياسى أن يقلق من عقاب الجماهير له على خطأٍ إرتكبه بالفعل .على الهامش يقول كابلان أن سياسىٌ ذكى وضع نُصب عينيه تحقيق مُقومات سعادة رعاياه و الإشباع الآنى لها سيكون مُتحفزاً ليسوسهم بأحسن ما يكون الأمر فوق تطلعاتهم. فى هذه الحال بالذات سيحس الناخبون وفق توقعاته بعدم رضا دائم مُنبعث من إشتهائهم من أطول سياسييهم خدمة و أكثرهم حذراً أن يلتزم أخلاق الفروسية و بداعِ من الشهامة أن يفى بكل وعود حملته الإنتخابية ..
هل يبدو الأمر مألوفاً ؟
لمّا أوجد الآباءُ المؤسسون النظام الفيدرالى و أرسوا دعائمه كان عدم الإهتمام الزائد بالناخبين ميزة و ليس عيباً و قد حذر جيمس ماديسون قائلاً : ” هُنالك لحظات بعينها فى الشئون العامة يكون الناس فيها مُتأثرين بمنبهات عاطفية متفاوتة ، أو تُحركهم دوافع غير أخلاقية ، أو إنفلت قيادهم تحت طائلة العرض الخادع لأصحاب المنافع فيُنادون بإجراءات هم أنفسهم قد يمتعضون منها و يُدينونها و يألمون لوقعها مُستقبلاً ” .
برينان بكل ذكائه و توقد ذهنه قد يُعانى أحيانأً فى سعيه الدؤوب لإعادة إبتكار معنى “النيبابية” المُقتطعة من مُصطلح “الديمقراطية النيابية” وهو يكتب عن عدم حاجة الناخبين للإلمام المطلوب بحيثيات عملية صنع القرار حتى يُمكنهم إتخاذ قرارات ذكية بأنفسهم لأنه فى الديمقراطيات الحديثة تنتدب الجماهير مندوبين لهذا الغرض و عندما لا يفعلون تحل النوازل و الطامات كما رأينا فى الإستفتاء الشعبى بولاية كاليفورنيا هذا العام و فى بريطانيا إبان أزمة الــ brexit .
بينما ظن الخبير الإقتصادى جوزيف شومبيتر فى كتابه الصادر 1942 ” الرأسمالية ، الإشتراكية و الديمقراطية” أن الديمقراطية لن تُفلح ولو زاد إهتمام الناخبين بما يفعله نوابهم فى الفواصل بين عمليات الإقتراع ! ، حيث قال :” الناخبون عادة لا سلطان لهم على زُعمائهم الذين إختاروهم سوى فى مسألة إلغاء إعادة الإنتخاب” .
جوهر التصويت : لماذا نُصوتُ إذن ؟ هل الأمر يتعلق بوجود سبب خفى أم تراه ما يقتضيه الواجب ؟ من المُزمع عليه إن المرء بإدلائه بصوته يُشارك فى عملية البناء السياسى لموطنه .برينان فى الجهة المُقابلة يظن أن الأمر لا طائل منه إذا كنت تحسب الفائدة بأثر عملية الإنتخاب و ما بعدها و هو ما لا يُمكنك فعله فى الحياة الواقعية .
غير أنه ذكر أن المشاكرة مُفيدة ولو كان العائد منها لاغى القيمة كما لو أن أباً تقضى زوجته سائر مُنجزات عياله يظل يغمره الإحساس بأنه مُسير أن يبذل لها العون و يُقدم المساعدة .برينان يعتقد أن ليس ثمة مقارنة بواجب الإدلاء بالصوت لأن أى فعل آخر من الأفعال الإجتماعية المحمودة ليضحى أكثر أهمية من التصويت و قد يأخذ مكانه .
بتناولٍ مُختلف هو يصدق أن التصويت سلعة من سلع سوق فضائل المدنية مثلما الفلاحة جزء من سوق الطعام وهو يذهب إلى أبعد من ذلك بتصريحه أن رجل أعمال يبيع غذاءاً و كساء لـ”مارتن لوثر كينج ” بفعلته تلك يقدم إسهاماً أصيلاً فى مصب الفضائل المدنية ولو كان البيع بالوكالة .هذا الأمر لا يبدو مُقنعاً من وجهين أولهما أنه يُخفف من معنى الفضائل المدنية ويجعلها قاصرة بشكل غير مقبول و ثانيهما لأنه يوحى أن رجل أعمال يبيع الهامبورجر لـجون إدجار هووفر بفعلته تلك يسقط فى فخ شرور المدنية !! لأكثر من مرة ،
يُشبه برينان تصويت الغير مُتعلمين بتلوث الهواء وهذا تحليلٌ يسترعى الإنتباه : ففى الحالتين لا يتساوى وعى القلة المُتنورة مع توانى الأغلبية و غفلتها ،أيضاً فإن كُلفة التهرب من الواجب العام تنتشر بضراوة لا تترك بعدها مكاناً لآثمٍ فى صف ولا لمُجرمٍ فى طابور فإن تغييرك للدراجة لا ينفى عن كاهل المُجتمع تبعات تلوث الهواء ولو أفنيت الساعات بحثاً عن سقطات المُرشحين و قضايا الفساد التى رُبما إرتبطت بأسمائهم لن يمنع هذا أسفلهم من أن يُنتدب .و بالرغم من ضعف دوافع أداء الواجب إلا أن هذا لا يُعنى أن الواجب قد تم تخفيفه مربط الفرس من الديمقراطية هو إتساق الأعداد التى سبق و نزلت للإنتخاب نسبياً مع الأعداد التى سيتعين عليها قضاء عُمر مع منتوج العملية الإنتخابية .هذا لا يملك أى قيمةٍ أيضاً إذا كان إنتخاب المُثقفين كالهواء النقى الطلق لذا لا يُمكنه أن يُصبح فلاحة . الهواء النظيف ملك العامة وهو شاهدٌ على كساد السوق بإتكاله على حماية الحكومة التى يستمد منها أحقية وجوده بينما الفلاحة جزءٌ من السوق فعلياً .
رُبما “التصويت” ليس عامة ولا سوق ربما على الأدق معركة بالأيدى المُتمدنة دون حاجةٍ لمدافع و دانات .إلا أن طبيعة الواجب قد تتشابه ، فنموذج برينان يغفل أحياناً أنه فى الإنتخابات عينها قد تتعرض الديمقراطية لخطرٍ مُحدِق. إذا ما قام جُندىٌ بإحتسابِ قيمته كشخص بالنسبة للحملة العسكرية التى إنخرط فى تنفيذها جيش بلاده سيضحى من السهل لديه أن يَخلُص أن إمتثاله للخدمة العسكرية و ذهابه للجبهة لا فائدة منه تعود عليه حتى ولو حسب إحتمالات الإمساك به و معاقبته للتهرب من الخدمة العسكرية .
إن الإشكالية لا تكمن فى معرفة أى الطرفين سيكسب أولاً مهما إتخمت أى حافة طالما أن المعنويات و هى عامل مهم من عوامل الحسم تتبدل دائماً .إن الإفتقار للتوكيد حول مُجريات الأحداث مُستقبلاً تترك أمامنا مساحة واسعة من الحسابات التعقلية ، يُقال أن أغلب الجنود يُداخلهم القلق من خذلان نُظرائهم أكثر ما يُخيفهم إمتحان إخلاصهم لمفهوم عام و شائع كالوطن ، و كذلك العديد من الناخبين يوجهون القسم الأكبر من واجبهم تجاه آلهم و ذويهم الذين يُشاطرونهم ذات الأفكار و الرؤى حول الدرب الذى وجب أن تنتهجه البلاد مُستقبلاً .