ماراثون الفوز بأولوية علاج كورونا
الكاتب : أ.د.محمد الربيعي
بدأت موجة من الرعب تجتاح العالم إثر اتساع بؤرة انتشار فيروس كورونا وانتقاله الى عدة بلدان، بعدما كانت خطورته محصورة داخل الصين، التي ظهر بها الفيروس لأول مرة، ولذلك سارعت منظمة الصحة العالمية لإعلان حالة استنفار، وعبرت عن قلقها من تزايد عدد حالات الإصابة بالفيروس وارتفاع الوفيات في صفوف المصابين.
في ضوء هذه الأحداث، ينقسم خبراء الصحة في جميع أنحاء العالم الآن حول ما إذا كان هذا الحدث سيصبح وباء، أو ما إذا كان من الممكن احتواء انتقال هذا الفيروس. في مقال نشر حديثًا لصحيفة نيويورك تايمز، ذكر الدكتور توماس فريدن، المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إنه “من غير المحتمل بشكل متزايد احتواء الفيروس”. في نفس المقال، ذكر الدكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، “إن الفيروس شديد العدوى للغاية، ومن المؤكد أنه سيكون وباءً”.
وعلى إثر التخوفات والتحذيرات عن انتشار الفيروس بدأت المختبرات والشركات الطبية بإجراء التجارب لإنتاج لقاح ضد الفيروس خصوصاً وإن إنتاج العلاجات المضادة للفيروسات تعتبر عملية معقدة للغاية وطويلة الآمد. في الوقت الحاضر يتوفر حوالي 50 عقاراً للاستخدام البشري ضد الفيروسات، مثل فيروس الأنفلونزا. ولم يتم تحقيق التقدم في هذا المجال إلا من خلال الجهود الكبيرة والإنجازات التقنية في المجالات العلمية والصيدلانية المختلفة. أما بخصوص توفير علاج للإصابات بفيروس كيرونا الجديد فيبدو أن الصين بدأت قدماً في البحث عن علاجات للأشخاص المصابين حيث بدأت في تسجيل المرضى في تجربة سريرية لعقار ريمسيفير، وهو دواء مضاد للفيروسات صنعته شركة جلياد، عملاق الأدوية الأمريكية. لكن يبقى إنتاج لقاح ضد الفيروس مهمة أساسية على المدى الطويل، وفي هذا السياق أعلنت عدد من المختبرات والشركات إنها بدأت بتطوير لقاحات، وبما أن هذه العملية تشمل عدة مراحل وتتطلب إجراء تجارب على الحيوان والإنسان وإنتاج صناعي واسع، لذا من المهم توفير فكرة عنها للقارئ المهتم.
انتاج لقاح ضد فيروس كورونا الجديد
بدأ العلماء العمل لإنتاج لقاح بمجرد الإعلان عن الإصابات البشرية للفيروس، لكن استراتيجيتهم لتطوير لقاح ضد فيروس كرونا تستفيد من العمل الذي تم على فيروسات وثيقة الصلة، مثل السارس والميرز، وكذلك من التقدم الذي تم إحرازه في تقنيات اللقاحات، مثل لقاحات الحمض النووي الرايبوزي، والتي هي لقاحات تعتمد على الاحماض النووية لإنتاج مستضد (انتيجين) اللقاح في الجسم. يتضمن هذا العمل تصميم هياكل اللقاح – على سبيل المثال إنتاج المستضدات المستهدفة الصحيحة، وهي البروتينات الفيروسية التي يستهدفها الجهاز المناعي ومن ثم إجراء اختبارات في نماذج حيوانية لإظهار أنها واقية وآمنة.
في 23 كانون الثاني أعلنت منظمة التحالف من أجل ابتكارات التأهب للوباء، وهي منظمة دولية لا تبغي الربح مهمتها الإسراع في تطوير لقاحات ضد الأمراض المعدية الناشئة عن توفر دعم مالي لإنتاج لقاح ضد الفيروس لجامعة كوينزلاند وجامعة هونغ كونغ وعدة شركات إنتاج أدوية عالمية مستخدمة منصات مختلفة لتصميم اللقاحات. ومن المهم ذكر إن الصين أعلنت انها طورت لقاحا يظهر المناعة، ولكن هذه نتائج أولية وهناك حاجة إلى وقت لإجراء المزيد من الاختبارات للتأكد من النتائج.
ولكن ماذا تعني هذه المنصات؟ ولماذا تعمل العديد من المنظمات المختلفة لتحقيق نفس الهدف المتمثل في تطوير لقاح ضد أحد العوامل المرضية؟ ألن يكون الأمر أسهل إذا عمل الجميع معاً، بدلاً من تجربة مجموعة واسعة من الأساليب؟ الإجابات على هذه الأسئلة ليست بالبساطة. منصات انتاج اللقاحات هي أدوات يمكن للعلماء استخدامها لتطوير لقاح جديد، باستخدام نظام مشابه للطرق الناجحة سابقاً. على سبيل المثال، أحد الأساليب المعروفة والمباشرة هو ما يسمى ب “المنصة المعطلة”، حيث يتم نسخ الفيروس بأمان في المختبرات بعدما يتم تعطيله ثم إعطائه كلقاح. وعلى الرغم من أن هذه المنصات تستخدم طرقًا مختلفة، إلا أنها تتمتع جميعها بنفس الهدف العام المتمثل في تدريب الجهاز المناعي للفرد الذي تم تطعيمه على التعرف بسرعة على العامل المرضي داخل الجسم.
فلماذا هناك العديد من المنصات المختلفة؟ حسنا، كل منصة لها مزاياها وعيوبها. بعضها أسهل في الإنتاج الضخم، وبعضها يُحدث آثار جانبية أقل، والبعض الآخر أفضل في تدريب جوانب معينة من الجهاز المناعي.
ينقسم جهاز المناعة البشري إلى ذراعين رئيسيين: الفطري والتكيفي. نظامنا المناعي الفطري غير محدد ويوفر مستوى فوري من المناعة، ولكنه محدود التأثير في الحماية ضد متسلل أجنبي داخل الجسم. يمكن لجهاز المناعة التكيفي أن يستهدف مرض محدد، لكنه يحتاج إلى وقت لتطوير تأثيره الكامل، حوالي 21 إلى 28 يومًا من الإصابة أو التطعيم. يمكن تقسيم الجانب التكيفي إلى نوعين ثانويين من المناعة: المناعة الخلطية والخلوية. بالنسبة للفيروسات الجديدة كفيروس كرونا، لا يعرف العلماء أي من التقسيم الفرعي للجهاز المناعي سيوفر الحماية، لذلك فهم غير متأكدين من المنصة التي باستخدامها سينتج اللقاح الأكثر نجاحًا.
ماذا يفعل العلماء بعد ذلك؟
يبدو تصميم اللقاحات بسيطًاً على الورق، لكن جعلها فعالة طوال فترة الاستخدام البشري لهو مسألة أخرى. يعمل العلماء حالياً على تحديد أجزاء فيروس كورونا الجديد التي يمكنهم استخدامها في لقاحاتهم. يجب اختيار هذه الأجزاء بعناية، لأنها تحتاج إلى محاكاة شكل العدوى الحقيقية لأجسامنا. يجب أن يتم ذلك بالتزامن مع اختيار طريقة مناسبة لإيصال اللقاح: أي المنصة التي سيتم استخدامها.
ولأسباب أخلاقية، بمجرد توفر مرشح للقاح، فإنه يحتاج إلى الخضوع لاختبار السلامة والفعالية في الحيوانات (على الرغم من إمكانية وجود استثناءات). ليست كل حيوانات المختبر عرضة للإصابة بنفس طريقة إصابة البشر. لهذا السبب يعمل العلماء أيضاً على تحديد نموذج حيواني مناسب لتقييم اللقاحات المرشحة. في هذه المرحلة، والتي تستغرق عدة أشهر وتتطلب استثمار عشرات الآلاف من الدولارات يتم تطوير وتحسين فعالية اللقاحات.
ومن ثم تأتي مرحلة التجارب الحيوانية، وبمجرد أن تكون التجارب على الحيوانات مرضية، يمكن إعطاء اللقاح للبشر في تجربة سريرية لتقييم سلامة اللقاح وفعاليته. وهذا يعني أشهر وسنوات إضافية (إن لم يكن عقود)، وملايين الدولارات في الاستثمار.
غالبا ما تكون الخطوات الأخيرة خارج أيدي العلماء. فيجب أن يتم تسجيل اللقاح والحصول على موافقة الجهات الصحية، ومن ثم إنتاجه على نطاق واسع وتوزيعه. على الرغم من أن هذه الخطوات لا تستغرق سوى بضعة أسطر لإدراجها هنا، إلا أنها قد تستغرق سنوات لتحقيقها بالفعل.
من ناحية أخرى، أخبرنا خبراء الصحة مراراً وتكراراً أننا إذا كنا محظوظين وكل شيء على ما يرام، فقد يكون لدينا لقاح آمن وفعال في غضون عام تقريباً. يبقى أن نرى في أي مرحلة من العملية سنكون في أوائل عام 2021. اننا امام سباق للحد من انتشار وباء، وإذا كانت الصين قد تمكنت من بناء مستشفى يتسع لـ 1000 سرير في 10 أيام لمواجهة انتشار الوباء، فكل شيء محتمل تحقيقه بعد عام من إيجاد لقاح؟
هل يمكن للبشر أن يكونوا في مأمن من هذه الأنواع من الفايروسات؟
من المتوقع تفشي فيروسات جديدة في المستقبل المنظور في فترات غير منتظمة. ولمحاولة منع تفشي الأمراض والأوبئة الكبيرة، نحتاج إلى تحسين مراقبة ظهور الفيروسات المرضية في كل من البشر والحيوانات في جميع أنحاء العالم، وكذلك اجراء دراسات تقييم المخاطر، وهو ما سيسمح للعلماء بتقييم الخطر المحتمل على صحة الإنسان من الفيروسات الجديدة.
اعتقد أن هناك حاجة إلى إجراء عالمي للاستثمار في استحداث طرق لتصميم لقاحات جديدة يمكن استخدامها بسرعة كلما ظهر فيروس جديد مثل فيروس كورونا الحالي- وأيضاً لفيروسات مشابهة لفيروس زيكا أو الإيبولا أو الأنفلونزا. في الوقت الحالي، تكون الاستجابة لظهور وباء جديد كردود فعل على مسببات المرض، مما يعني أنها تبدأ بعد تفشي المرض. نحن بحاجة إلى نهج أكثر فعالية يدعمه الاهتمام والتعاون الدولي والتمويل المستمر.