ماذا سيحدث في اليوم التالي لاستفتاء كردستان ؟
الاولى نيوز/ بغداد
في الـ25 من سبتمبر/أيلول، سيحظى السُّكَّان في مناطق السيطرة الكردية داخل العراق بالفرصة للتصويت في استفتاءٍ بشأن تفضيلاتهم بالنسبة لمستقبل منطقة كردستان العراق، وهي المنطقة التي تتمتَّع بالحكم الذاتي داخل حدود العراق الحالية.
ADVERTISING
وستطرح بطاقة التصويت سؤالاً: “هل تريد أن يصبح إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم دولةً مستقلة؟”.
وبما أنَّ غالبية المُصوِّتين في المناطق المشمولة بالاستفتاء هم من الأكراد، ولديهم تاريخ قوي من السعي باتجاه تقرير مصيرهم، فإنَّه يكاد يكون في حكم المؤكَّد أنَّ النتيجة ستأتي بالموافقة.
ومع ذلك، وبغض النظر عمَّا يُقرِّره السكان في مناطق السيطرة الكردية، لن يكون للاستفتاء آثار إدارية فورية، بحسب ميتشل نايتس الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
وفي تحليله الذي نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، الإثنين 18 سبتمبر/أيلول 2017، أوضح نايتس حيثيات رأيه بأنه “لا توجد آلية كي ينفصل جزء من العراق عن كامل الدولة، وبالتالي لن يُطلِق الاستفتاء الكردي عملية كتلك التي أطلقها الاستفتاء الذي جرى مؤخراً في بريطانيا، حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أم الخروج منه”.
وقد يسأل أحدهم، لماذا إذن يجرون استفتاءً؟ ولماذا الآن؟
أسباب الاستفتاء
السياسة الداخلية في كردستان هي بكل تأكيد ما حدَّد موعد الاستفتاء.
فقد تجاوز رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، فترة ولايته في الحكم، ويريد البدء في عملية الاستقلال رمزياً قبل أن يتنحَّى في انتخابات الإقليم المقبلة، التي من المُقرَّر إجراؤها، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
سببٌ آخر للاستفتاء هو إيجاد تفويضٍ جديد للأكراد كي يحصلوا على دعمٍ دولي من أجل خروجٍ نهائي، على أساس التفاوض، من العراق وإعلان دولةٍ جديدة تعترف بها الأمم المتحدة، ربما في غضون السنوات الخمس أو العشر المقبلة.
وقد حظي إقليم كردستان العراق بالحكم الذاتي منذ انسحاب قوات صدام حسين من مناطق في شمالي العراق في نهاية حرب الخليج 1991، وأنشأ الأكراد برلمانهم، ووزاراتهم، وقواتهم المسلحة. حتى إنَّهم استخدموا عملةً مختلفة عن عراق صدام، وحصلوا على 17% من عائدات نفط صدام بموجب اتفاقٍ أشرفت عليه الأمم المتحدة.
وبالنظر إلى الوراء، تمنى معظم الأكراد لو أنَّهم واصلوا بهذا الوضع. لكن بدلاً من ذلك، وافقوا على إعادة الانضمام مؤقتاً إلى العراق في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وذلك مقابل الوعود الأميركية والعراقية باستمرار عمل إقليم كردستان كمنطقة حكمٍ شبه مستقل، وتلقِّي تمويل مُخصَّص من عائدات النفط الاتحادية، وبدء عملية التفاوض بشأن تعديلات حدودية دائمة، وربما الاستقلال، مع الحكومة الاتحادية في بغداد.
لكنَّ بغداد بدأت تنازع بشأن وضعية الحكم الذاتي في إقليم كردستان، وانتهت المفاوضات إلى طريقٍ مسدود. ووصف رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني مؤخراً القرار المتعلِّق بالبقاء كجزء من العراق بأنَّه “خطأً كبير”.
وأعلن البارزاني، في بيان بعد لقائه وزيرَ الدفاع البريطاني مايكل فالون، الإثنين 18 سبتمبر/أيلول “لم يبقَ خيارٌ آخر سوى الاستقلال”، مؤكداً على أن “الدعوات لتأجيل الاستفتاء من أجل الحوار مع بغداد فقط، دون معرفة مضمونه وطبيعة الضمانات الدولية، لا تؤجل الاستفتاء”.
وبحسب البيان الذي نشره موقع “السومرية نيوز” العراقي، قال البارزاني: “إذا وافقت الحكومة العراقية على الحوار بهدف استقلال كردستان، وفق سقف زمني معين، ووجود ضمانات دولية، حينئذ ستجتمع القيادة السياسية الكردستانية، وستُقرر قرارها النهائي”، مشدداً على أن “البدائل المطروحة حتى الآن لا تحمل ضمانات للحوار مع بغداد من أجل الاستقلال”.
وتابع: “جرَّبنا كافة أنواع العلاقات مع العراق، لكنها فشلت، لذلك لم يبق أمامنا سوى خيار الاستقلال، ونحن نريد أن نكون جيراناً جيدين، وبناء أفضل العلاقات”.
ليس ذا سيادة تماماً
في السنوات الـ14 الأخيرة، وسَّع الأكراد المناطق التي يسيطرون عليها فعلياً، لتضم مناطق تحتوي على احتياطاتٍ نفطية أو تعيش بها أعدادٌ كبيرة من غير الأكراد، مثل محافظة كركوك.
كما وصلت صادرات الأكراد من النفط إلى 600 ألف برميل يومياً، وذلك عبر جذب المستثمرين الدوليين وتصدير النفط عبر خط الأنابيب العراقي التركي إلى محطات الشحن في البحر المتوسط. ويُعَد هذا إنجازاً لا يُصدَّق بالنسبة لشعبٍ حبيس دون دولة ومحاط ببلدانٍ يملؤها الشك منه.
لكنَّ إقليم كردستان العراق لا يزال يفتقر إلى العديد من الخصائص الحاسمة بالنسبة للدولة.
فالإقليم لا يمكنه تأمين قروض سيادية بأسعار فائدة مقبولة، أو الحصول على شهادات المستخدم النهائي لشراء الأسلحة بالطريقة نفسها التي تتمتَّع بها الدول التي تحظى باعتراف الأمم المتحدة. وتهدد بغداد مبيعات النفط الكردية دورياً عن طريق طعونٍ قانونية.
وتسيطر بغداد على المجال الجوي الكردي. ويتعين على سكان إقليم كردستان استخدام جوازات السفر العراقية، وأن يعانوا من القيود المفروضة على التأشيرات تماماً كالعراقيين، هذا على الرغم من كون إقليم كردستان أكثر أمناً من العراق الاتحادي.
ولكن يبدو أن هذا الأمن قد يتأثر بشكل أو بآخر كأحد تداعيات استفتاء الانفصال، حيث قتل كردي في اشتباك مع حراس مكتب حزب سياسي تركماني في كركوك الغنية بالنفط، مساء أمس الإثنين، وقالت مصادر أمنية، إن كرديَّيْن اثنين آخرين وحارساً تركمانياً أصيبوا أيضاً بجروح، في الاشتباك الذي اندلع عندما مرَّ أكراد في سيارات أمام مكتب الحزب التركماني، احتفالاً بالاستفتاء، وهم يحملون الأعلام الكردية.
ما التالي
ستمضي قيادة إقليم كردستان العراق على الأرجح قُدُماً في الاستفتاء، لأنَّ العراق، وتركيا، وإيران، والمجتمع الدولي فشلوا في صياغة مزيجٍ فعَّالٍ من التهديدات والوعود لإرغام الإقليم على تأجيل الاستفتاء.
وستدين تركيا الاستفتاء في خطاباتها، لكن من المحتمل أنَّها لن تغلق حدودها أو تغلق خط الأنابيب الحيوي لصادرات النفط الكردستانية. أمَّا إيران، والقوات الاتحادية العراقية، والميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً، فعلى الأرجح لن يُهدِّدوا على نحوٍ جدي الدفاعات الكردية المُجهَّزة جيداً.
ويبدو أنَّ أكثر الوعيد الصادر عن إيران وتركيا يهدف إلى كبح تأثير أحجار الدومينو المحتمل الذي قد يُشجِّع أكراد إيران، وتركيا، (وسوريا)، على بذل جهودٍ انفصالية أكبر.
وقد ألمح العديد من الساسة العراقيين البارزين سراً بأنَّهم يعتقدون أنَّ إقليم كردستان العراق يصبح ببطءٍ وعلى نحوٍ لا رجعة فيه دولةً مستقلة.
لكن ليس هناك قائدٌ عراقي بإمكانه قول ذلك علناً، لأسبابٍ ليس أقلها اقتراب الانتخابات العامة والمحلية في العراق، في شهر أبريل/نيسان، أو مايو/أيار 2018. ولا يرغب أي رئيس وزراء عراقي أن ينقسم العراق رسمياً في عهده.
وستدفع هذه الدينامية بغداد إلى تأجيل الأمر، عن طريق عرض مفاوضاتٍ جديدة بشأن نقل سلطاتٍ أكبر إلى إقليم كردستان.
وسيناقش الجانبان قضية كركوك وباقي ما يُطلَق عليها المناطق المتنازعة الشائكة، وهي المناطق التي يسيطر عليها في معظمها إقليم كردستان ذو الأغلبية الكردية، لكن يقطنها الأكراد وغير الأكراد، ولا تزال بغداد تطالب بها. وتجري مثل تلك المحادثات منذ العام 2003.
وما يعنيه كل ذلك هو أنَّ اليوم التالي للاستفتاء قد يبدو إلى حدٍّ كبير شبيهاً باليوم السابق له.
ففي 31 ديسمبر/كانون الأول 1999، توقَّع العالم أن تُوقِف مشكلة “Y2K” كل أجهزة الحواسيب، لكن في الأول من يناير/كانون الثاني، لم يتغير الشيء الكثير. وقد يظل استفتاء كردستان مثيراً بصورةٍ مشابهة حتى إجرائه، لكن ما يحدث بعد ذلك لن يكون بمثل تلك الإثارة.