ماذا تبقى من تشرين
نورهان علاء
ماذا تبقى من تشرين لاشك ان ساحة التحرير قبل تشرين 2019 تختلف عن ساحة التحرير بعد تشرين، لقد منح الشباب المنتفض لهذه الساحة قدسية جعلت من خارطتها الجغرافية التي يتوسطها نصب الحرية العملاق من مجرد هياكل صماء، الى بانوراما ناطقة بالثورة .
سينهض من صميم اليأس جيلٌ مريـدُ البـأسِ جبـارٌ عنيد
يقـايضُ ما يكون بما يُرَجَّى ويَعطفُ مـا يُراد لما يُريد
حسب نبوءة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري.
منذ ثورة تشرين وساحة التحرير تحولت الى معالم ومقصد للجميع، يمر بها الناس وتتعلق ابصارهم بالرموز الايقونية المعلقة على نصب الحرية الذي اكتسب الحياة بعد ان التفت حوله سواعد الشباب وتطايرت في انحائها ساحة التحرير قنابل الدخان، وتسابقت من هنا وهناك عربات التكتك التي تشق الطريق مثل صقور جبلية وهي تحمل الجرحى دون ان تبالي بإطلاقات النيران والموت الذي يختبئ في كل مكان .
وعندما تدخل نفق التحرير ستبهرك جدران هذا النفق المطرزة بالرسومات وهي تسجل يوميات الثورة وابطالها واحداثها، فمن يمر من هذا النفق سيلتمس وجدانيا روح هذه الثورة وسيتنفس لحظات الخوف والقلق والشجاعة والتضحية التي عاشها الثوار من خلال الفنون التي حولت جدران نفق التحرير وطوابق المطعم التركي الى جداريات بابلية واشورية وسومرية.
بعد ثلاث سنوات مازالت تشرين تتحدث بلغة الفن ولغة الوجدان، فالذاكرة مازالت حية، وتشرين ثورة بنكهة خاصة، يميل المعتدلون لها ويتعاطف معها غير المحسوبين لجهة او أخرى، فهذا الاحتجاج لم يكن من اجل مصالح او مغانم، انما هي صرخة جيل كامل وشعب كامل امام فئة سياسية فاسدة.
صرخة تجسدت بشعارات مازال تتردد على الالسن وترتجف امامها القلوب نريد وطن، سلمية، نازل اخذ حقي، وكم كان ثمن هذه الشعارات غاليا وهي التي ضحى من اجلها مئات الشباب بين شهيد وجريح، فضلا عن ذلك فقد تحمل شباب تشرين شتى الاتهامات بالعماله الى الخارج او السعي لإحراق البلد، وهم النخبة التي واجهت المخاطر والمصاعب، وواجهت الموت من اجل اصلاح جميع مفاصل البلد وتغير نظام الحكم الذي شاع فساده، والذي لم يوفر الأمان الى مواطنيه ولا الحياة الكريمة لشعبه، ولم تخرج تشرين لغرض تحقيق مصلحه حزبية او شخصية بل لغرض تحقيق المصلحة العامة.
كان الرسم الكرافيتي سلاح بيد الثوار أوصل رسالتهم للعالم بمواجهة حكومه القناصين حيث تسابق الرسامون بوضع لمساتهم على الجدران بالرسوم المعبرة عن وعيهم وترجمة ما يجري في البلاد، فكانوا ثورة فنية في حد ذاتها، رغم الدم الذي كان يسيل على الارصفة في كل يوم.
في تشرين انتصر الوعي على البندقية، وانتصرت الكلمة على قنبلة الدخان، وأجبرت إرادة شباب تشرين الحكومة على تقديم استقالتها، ورغم عجز الحكومة التي تلتها وهي حكومة مصطفى الكاظمي عن تلبية مطالب التشرينين، لكن لتشرين ألاثر ألاعظم على تغيير ثوابت السياسة العراقية، بعد ان اصبح للشباب كلمتهم.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الثالثة لانطلاق مظاهرات تشرين يشهد العراق احتجاجين الأول:
يتمثل بالجماهير الصدرية الملبية لدعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يعتصمون منذ مدة في مجلس النواب العراقي للمطالبة بحل البرلمان واجراء انتخابات جديدة.
اما الاحتجاج الثاني:
فهو المتمثل بجمهور الإطار التنسيقي والذي بدأ اعتصامهم للمطالبة بالمضي بهذه الدورة النيابية والإسراع في تكليف مرشحهم محمد شياع السوداني.
بمعنى ان قيادات العملية السياسية اخذوا يتخذون الخطوات التشرينية نفسها في عملهم، واخذوا ينزلون للشارع للتعبير عن أرادتهم السياسية لكن المهم ان جميع الأطراف اليوم تتسابق لكسب تعاطف التشرينين وتصنع المستحيل ليلتحق الشباب التشريني معها، وهذا ان دل على شيء يدل على ان الشرعيه مع تشرين لامع أحزاب السلطة، فبعد ثلاث سنوات من عمرها كسرت تشرين حواجز الخوف وفتحت الطريق لجيل عراقي عاشق للحياة والحرية في ان تكون له الكلمة الأقوى والاصدق.