مؤشرات لبنانية خطيرة: هبوط متسارع لليرة والأسعار بلا سقف
انعكس اعتذار رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة سريعاً على سعر صرف الدولار الذي يستمرّ مساره التصاعدي منذ الخميس مسجلاً أرقاماً غير مسبوقة في تاريخ لبنان متخطياً، الجمعة، عتبة 23 ألف ليرة لبنانية.
الضربة الأقوى أتت على صعيد السلع والمواد الغذائية، حيث شهدت ارتفاعاً قياسياً في أسعارها وأصبحت عصيّة على عدد كبير من الأسر، في ظلّ تدهور قيمة الرواتب بالعملة المحلية بأكثر من 95 في المائة في مقابل زيادة فواتير غالبية الخدمات الأساسية ولا سيما الكهرباء والطبابة.
وتقول نائبة رئيس جمعية المستهلك في لبنان الدكتورة ندى نعمة، إن “الأسعار باتت بلا سقف أو حدود، والسوق يشهد فوضى عارمة في ظلّ تبدّل سعر الصرف السريع والاحتكارات الموجودة وغياب الرقابة والمساءلة”.
وتشير نعمة إلى أنه “الخميس كنا أمام مشهد غير مألوف بحيث زادت أسعار بعض المنتجات أكثر من مرّة في اليوم الواحد وخلال ساعات، في حين كانت الجمعية في السابق ترصد الأسعار كلّ ثلاثة أشهرٍ”. ولفتت إلى إنّ تغيير الأسعار بات عشوائياً من جانب أصحاب المحال والسوبرماركت والتجار، والفروقات واضحة في ما بينهم، وكلّهم يتذرّعون بسعر صرف الدولار”.
وتشير نعمة إلى أن القدرة الشرائية انخفضت في وقتٍ بات الراتب يكفي لشراء منتج واحدٍ، وتضيف: “للأسف نحن ذاهبون إلى كارثة حقيقية، فالأمن الغذائي بخطر كبير، ولا نعرف كيف يمكن للإنسان أن يصمدَ بينما هناك فواتير أخرى تحاصره في ظلّ رفع الدعم وتضخم الأسعار”.
من جانبه، يقول محمد شمس الدين، الباحث في “الدولية للمعلومات”، إنّ “كلفة السلة الغذائية الاستهلاكية أصبحت في آخر يونيو/ حزيران الماضي مليونين و500 ألف ليرة لبنانية، بينما كانت 450 ألف ليرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وهذا الرقم الذي احتسب على سعر صرف 19 ألف ليرة طبعاً مرشحٌ للارتفاع بعدما تجاوز سعر صرف الدولار عتبة العشرين ألف ليرة لبنانية ويواصل تصاعده”.
ويلفت شمس الدين إلى إنّ كلفة السلة الغذائية “ارتفعت حوالي 415 في المائة، عدا عن الحاجات الأخرى الأساسية التي على المواطن أن يتكبّد عناء تأمينها، من كهرباء، طبابة، كلفة نقل، وغيرها من الخدمات التي تزيد كلفتها عن ستّة ملايين ليرة لبنانية، وفي حال استمرّ المسار التصاعدي لسعر صرف الدولار، فإنّنا سنكون أمام مزيدٍ من تآكل القدرة الشرائية وغلاء الأسعار”.
في المقابل، يشير الباحث في “الدولية للمعلومات” إلى أنّ الحدّ الأدنى للأجور أصبح 34 دولاراً، ليصبح لبنان بين أفقر الدول عالمياً، وبات يقترب من السودان وفنزويلا (12 دولاراً)، سورية (22 دولاراً)، مالاوي (27 دولاراً)، وإثيوبيا حيث قيمة الأجر 24 دولاراً تقريباً.
ويعزو شمس الدين الغلاء الكبير في الأسعار إلى ثلاثة أسبابٍ رئيسة، الأول غياب الرقابة بشكل يضع السوق أمام تفلتٍ مستمرّ في تسعير البضائع، وأحياناً، يكون الفرق شاسعاً في السعر بين متجر وآخر، السبب الثاني مرتبط بتحليق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض السلع عالمياً، كالزيت النباتي على سبيل المثال.
بدوره، يقول رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، إنّ “الصورة اليوم سوداوية جداً، ومحبطة، خصوصاً أننا كنا نعوّل كثيراً على عيد الأضحى، ولا سيما بعد سنة جهنمية تخللها انفجار مرفأ بيروت، وجائحة كورونا وانهيار العملة الوطنية، بيد أن الخلافات السياسية نفذت ضربتها المترافقة مع تحليق سعر صرف الدولار وانفلات التضخّم، وضعف القدرة الشرائية”.
ويضيف أن “الاقتصاد يتأثر بالعامل النفسي والضغوطات التي يواجهها اللبنانيون على مختلف الأصعدة، سياسياً، أمنياً، معيشياً واجتماعياً، وقد يكون المؤشر الإيجابي الوحيد هو حضور المغتربين بطريقة من شأنها أن تعوّض ولو بجزءٍ بسيطٍ الأضرار الاقتصادية الفادحة التي نتكبدها”.
ويلفت شماس إلى أن “أربعين في المائة من المحال والمتاجر أقفلت أبوابها منذ سنة ونصف تقريباً، وبينما كنا ننظر بإيجابية إلى مسار الأمور ونأمل بتشكيل حكومة جديدة تبدأ معها مرحلة النهوض الطويلة، أتى اعتذار الحريري وانسداد الأفق ليشكلا ضربة قوية لجميع القطاعات، ومنها التجاري، وقد تكر سُبحة الإقفال بشكل خطير جداً”.
ويوضح رئيس جمعية تجار بيروت أن “الكثير من المحال التجارية أقفلت أبوابها منذ الأمس، بالتزامن مع بدء ارتفاع سعر صرف الدولار، حيث إن القانون يلزم التجار بالتسعير بالعملة الوطنية. وفي السابق كان صعود الدولار يحصل بـ200 أو 300 أو 400 ليرة في اليوم، أما الآن فالزيادة وصلت إلى 3 آلاف ليرة لبنانية خلال ساعات قليلة فقط، وبالتالي، فإذا أبقى التاجر أبوابه مفتوحة سيخسر رأسماله عند بيع البضائع على سعر الصرف القديم، من هنا ارتأى الإقفال حتى استقرار الأسعار، خصوصاً أن حركة الزبائن خفيفة جداً والكل ينتظر مسار الأمور”.
نقلا عن صحيفة العربي الجديد