{لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ}
رعد اطياف
في كثير من الأحيان خير لنا أن نكون لطفاء على أن نكون على حق. إذاً ما الفائدة من الاستمرار إذا كان الآخر يرفض الاستماع. أو على أقل تقدير، إنك تثبت مدّعاك بطريقة فَظّة ونزقة تجعل من دعوتك مقدمة منطقية لكراهية الحوار ومضايقة الآخرين. حتى أن البعض منّا يشعر بالاستياء نتيجة النفور المتزايد من قبل الآخرين ورفضهم الإصغاء للحقائق، التي نطرحها على مسامعهم. غير أن هذا الاستياء يتوقف عن الحركة حين يتوقف الأمر على مراجعة الذات. لذلك لا نستغرب من هذه الحقيقة التي نتلمّسها في الواقع: أن الكثير من الحوارات تنتهي الى طرق مسدودة وتفضي بنا إلى أحوال نفسية غير مريحة. يظهر أن الأمر، وبعد التأمل في هذه الحالة، أن القضية ليست لها علاقة بإثبات الحق بقدر ما ترتبط ارتباطاً جوهرياً في نظرتنا لأنفسنا: إننا نرى أنفسنا أكثر أهمية من الآخرين لدرجة أنه مهما حصل لهم من ضيق وارتباك، وقلق واكتئاب، وتناقض وحيرة شديدة، فهذا الأمر لا يندرج في سلم أولوياتنا. يكفي أن يرتبك الآخر ويُصاب بالحيرة، لأنه لا يتمتع بالموهبة الجدلية والمنطق الصوري. يكفي أن تنتابنا لذة الانتصار ونحن ننكّل بخصومنا. ينبغي أن يبقى الآخر مستمعاً ومصغياً لنهاية المطاف، وينبغي لنا أن نستخدم كل الطرق الإقناعية لإسقاط خصمنا بالضربة القاضية!. هذا الدكتاتور الصغير الذي يطل علينا في مناسبات كثيرة: في العلاقات الأسرية، وفي الحوارات العامة، وفي الدوائر الرسمية، لا يلبث طويلاً في دهاليز الذاكرة وسرعان ما يظهر ليثبت وجوده وهويته. ما إن تستدعي هذا الشخص المهم الذي ترعرع في ذاكرتك، والذي درجت عليه السرديات الشعبية، حتى يخرج مثل العفريت ويقدم لك كل فروض الطاعة والاحترام، وينغص على الآخرين لحظاتهم السعيدة. لقد عودتنا هذه السرديات الشعبية أن نتمتع بأصوات عالية وحجج عقيمة والتدرب على تنغيص اللحظات الهانئة على الآخرين. لا يموت هذا الدكتاتور الصغير بيسر وسهولة، لكنه سيضعف بالتدريج عبر هذا المصل المضاد، واعني به اللطف والرحمة بالآخرين، مهما كنا نتوهم أننا على حق، فان نكون لطفاء خير لنا ان نكون على حق، {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.