لماذا يسارع نظام آل خليفة الحاكم في البحرين لتقديم نفسه خادماً للرؤية الإمريكي والصهيونية تجاه الصراع في المنطقة؟
زرع البريطانيون آل خليفة في البحرين ليكونوا خداماً لسياسات ومصالح الدول والقوى التي تسيطر على الإقليم في مختلف المراحل ، وبعكس ما يعتقده الكثيرون ، فإن علاقة آل خليفة بالإنجليز قد لا تكون قد بدأت بعد نزوحهم من الزبارة واستيلائهم على البحرين ، فهناك من يشير إلى أن الإنجليز هم من جاء بآل خليفة وحلفائهم للإستيلاء على السلطة ، وذلك من أجل السيطرة على البحرين من خلالهم ، في إطار محاولات الإنجليز التخلص من الإزعاج الذي تسببه حركات المقاومة من وجود المستعمرين وكذلك من الإزعاج الذي كانت تسببه لهم أساطيل لصوص وقراصنة الخليج الذين كانوا يعترضون خطوط الملاحة والتجارة والسفن العابرة بين موانئ الهند والبصرة والذي كان من بينهم قبيلة آل خليفة .
وعلى طريقة بريطانيا في التخلص من اليهود من خلال اعطائهم فلسطين ، يبدو أن الإنجليز كانوا يفضلون أن تستقر تلك العصابات الناشطة في مياه الخليج على الأرض بدلاً من قرصنتها لسفن التجارة الإنجليزية ، ولعل أقل ما فعله الإنجليز في تلك المرحلة هو التخطيط والتنفيذ لإستيلاء قراصنة ولصوص الزبارة على البحرين .
يؤيد هذه الرؤية أن اللص القرصان (إرحمه بن جابر الجلاهمة) الذي كان أحد أعمدة تحالف العصابات التي استولت على البحرين بالقوة مع آل خليفة ، قد اختلف مع آل خليفة على حصته في تقسيم غنائم الاستيلاء على البحرين ، وإتخذ قراراً غاضباً بمغادرة تحالف العصابات والرجوع إلى مياه الخليج لممارسة القرصنة والنهب ، وهو ما أغضب الإنجليز الذين تخلصوا منه لاحقاً بمساعدة أل خليفة ، وحدث هذا في العام 1826م ، في حين أن إتفاقية الحماية البريطانية لآل خليفة قد وقعت بين الطرفين عام 1861م أي بفارق 35 عاماً ، وقد عمل أل خليفة على تقديم أنفسهم كخدم لسياسات ومصالح بريطانيا في البحرين والمنطقة ، وعلى هذا الأساس وقعت بريطانيا الإستعمارية معهم اتفاقية الحماية عام 1861م.
وهذا ما يفتح باب التساؤل وطرح التكهنات عن طبيعة العلاقة البريطانية مع آل خليفة وجذورها قبل وبعد إستيلائهم على البحرين وقبل توقيعهم لإتفاقية الحماية الإستعمارية لهم و دور الإنجليز في هذا الإستيلاء وما جره على شعب البحرين من محنة ونكبة مستمرة حتى يومنا هذا .
لقد إنطلق المستشارون البريطانيون في البحرين بالتعاون مع الحاكم الإنجليزي للخليج في ترتيب علاقات القبيلة مع باقي الإقليم ومع باقي المشيخات التي تم توطينها أيضاً وترسيمها كأنظمة حاكمة لدويلات الخليج في إطار خدمة مصالح الإمبراطورية البريطانية ، كما قام المستشارون الإنجليز بإنشاء النواة الأولى للشرطة وترتيب أمور القضاء والمحاكم والبلديات ، وبهذا يكون البريطانيون قد قدموا خدمة العمر لأل خليفة لينجحوا في الإستيلاء على البحرين وترسيم أنفسهم كنظام سياسي يقود إمارة بمساعدة الإنجليز مقابل الخدمات التي تعهدوا بتقديمها للمحتل الإنجليزي.
في أواخر الستينات من القرن الماضي بدأ إنحسار الوجود البريطاني وتم ظاهرياً تسليم إدارات تلك الدول للمشيخات والعوائل التي أعطتها بريطانيا الاعتبار والاعتراف بها كأنظمة حكم ، لكن على أن تبقى بريطانيا تمسك على الأرض بالسلطة العميقة ، خاصة لحاجة القبائل الحاكمة الملحة للحماية والرعاية البريطانية وفي كل الإتجاهات نظراً لضعفها وعدم إمتلاكها لمقومات إدارة دولة مدنية تتطلب مهارات وجدارة ليست متوافرة لدى هذه القبائل التي تم إستجلابها . ليبدأ عصر جديد من الهيمنة والسيطرة من وراء الجدران وليس من خلال الإستعمار المباشر .
الدكتور راشد الراشد