لماذا عراقيو الخارج أشد تطيّفاً ؟ (1)
لماذا عراقيو الخارج أشد تطيّفاً ؟ (1) – منقذ داغر
أعتذر أبتداءً من القارىء لأستخدامي مصطلح تمييزي هو عراقيو الداخل والخارج،لكني أستخدمه هنا كباحث يحلل ظاهرة أجتماعية يجب توصيفها وليس كمواطن عراقي يؤمن بأي نوع من التمييز بين العراقيين.منذ سنين أتابع كتابات عراقيو الخارج(وأنا منهم حالياً)على مواقع التواصل ومنصات الأعلام المختلفة.ولأنني عضو في عشرات المجاميع التي تضم مئات من العراقيين،كثير منهم ممن يعيشون في الخارج منذ عقود،فقد كنت ألاحظ دوماً زيادة حدة النبرة الطائفية في كتابات الكثير منهم وبشكل أعلى من عراقيي الداخل.
ولأني رجل أؤمن بالأرقام وليس بالأنطباعات ولكون لا تتوفر لدي دلائل علمية رقمية على صحة أنطباعي فقد كنت دوماً أركن هذا الأحساس جنباً ولا أتابعه علمياً. لكني قرأت مؤخراً تغريدة لأحد الأعلاميين العراقيين المرموقين أكد ذات الملاحظة،كما تابعت المواقع والشخوص الذين تبنوا نهجاً طائفياً في حديثهم المؤيد والمعارض(على حد سواء) للسم الذي بثه ذلك(الرادود) وفجر أزمةً زادت من جراحاتنا وعمقت من خلافاتنا في وقت تكون فيه الطائفية آخر ما نطلبها والوحدة أول من ننشدها.
لقد أكدت لي تغريدة الأعلامي ومتابعة وسائل التواصل ذات الأستنتاج السابق حيث لاحظت أن أشد المنافحين عن الطائفية(على الصوبين) في أزمة (الرادود) كانوا ممن يسبق أرقام هواتفهم رمز الأتصال الدولي (00).هنا تذكرت نهاية شهر نيسان 2003 حيث دعاني أحد كبار السياسيين(ممن أصبح وزيراً فيما بعد) للعشاء في منزله،أنا ومجموعة من الأساتذة الجامعيين لنلتقي مع أحد أقطاب ما سمي بالمعارضة ممن جائوا مع الأميركان(والذي أصبح وزيراً هو الآخر فيما بعد).
بعد العشاء طرح علينا هذا(المعارض) رؤيته لما سيجري،بناءً على معرفته بتفكير وسلوك (المعارضة ) القادمة مع الدبابة الأمريكية.توحيد الصفوفقال لنا بالحرف الواحد:يجب أن نوحد صفوفنا وننتظم بالحزب الذي كان يقترحه،أذا أردنا ل(طائفتنا) أن تحيا في العراق الجديد.قال أنا أعرف جيداً من جائوا،وهم أكثر طائفيةً حتى مما يمكن أن تتصوروه! وبقدر ما أصابني ذلك الطرح من فزع،فقد أصابني بالدهشة! فالمحتل أمريكي(علماني)،ومن جاء معه هم عراقيون يفترض أنهم تربوا هناك وتشبعوا بالقيم الغربية الأجتماعية والسياسية،فكيف يمكن أن يحكموا بطائفية؟!
وحين سافرت للندن لأول مرة ألتقيت بأحد أقاربي ممن كان بيتهم مضافةً لسياسيي المعارضة(الطائفيين) ويعرفهم جيداً،فسألته عن أحد الساسة البارزين الذين جائونا من لندن حيث كان يعيش هناك لكنه، وياللعجب،لا يجيد الأنكليزية! فأجابني لا تتعجب،فهذا الرجل لم يكن يختلط طوال تواجده في لندن لسنين طويلة بأي أنكليزي بل كان دائم التردد والتجوال بين أعضاء حزبه ومقراتهم الحزبية والدينية! وتبين لي فيما بعد أن هذا(السياسي) لم يكن بدعاً من عراقيي الخارج،بل أن كثيراً منهم كانوا على هذه الشاكلة،يعيشون منغلقين في مجتمعات دينية وثقافية ضيقة ومحدودة الأنفتاح حتى على العراقيين والعرب الساكنين هناك والذين يخالفونهم في توجهاتهم الدينية والطائفية والثقافية.
أن من حسن حظي أني أكتب الآن كتاباً عن طبيعة المجتمع العراقي وما يمايزه ثقافياً عن المجتمعات الأخرى.
وقد تناولت فيه موضوع الطائفية التي أبتُلي بها العراق كشكل من أشكال التطرف الفكري الثقافي.لقد أتاحت لي الدراسات التي أجريتها مع زملائي في الغرب دراســـــــة ظاهرة التطرف الفكري عند بعض مجاميع المهاجرين، لذا فأن ما أكتبه هنا مبني على هذه التجـــــــربة العلمية.
تصلب فكري هنا يجب التنبيه الى أني لا أقصد التفسير الفقهي الديني للطائفة،بل نمط التفكير الناجم عن التصلب الفكري الثقافي بأتجاه لا يتضمن فقط تفضيل المتبنيات الفكرية للشخص،بل أيضاً رفض أفكار الغير وأعتبارها مهددة للوجود الفكري الفردي والجماعي للطائفة.بمعنى أن ما أدرسه هو ليس الأيمان الفقهي بمتبنيات المذهب الجعفري أو السني،وأنما ذلك النمط من التفكير والسلوك الذي ينظر الى متبنيات المخالفين بأعتبارها ليست خاطئة فقط وأنما بأعتبارها تمثل تهديداً وجودياً لثقافة ووجود جماعته. فالطائفية بهذا المعنى تخرج من مجرد كونها نظاماً فكرياً يقتنع به ويتبناه شخص ما ويراه الأجدر بالأعتناق،وتتحول الى جماعة أولية تتبنى قواعد ومعايير وتقاليد سلوكية وثقافية (يجب) التمسك بها لأنها توفر الحماية الفسلجية والنفسية للشخص وأن أي خروج عن هذه السلوكيات سيعرض الجماعة والفرد ذاته الى خطر وجودي حقيقي. أنها هوية وجودية تمثل زاوية نظره ومعيار حكمه على كل الأنماط الثقافية الأجتماعية الأخرى. أن أي معتقد فكري،مهما كان شكله سواء ديني أو أجتماعي أو أقتصادي، يتحول الى سلاح (طائفي) حينما يخرج عن أطاره الآيديولوجي الفردي الى أطاره الجماعي الذي يقولب كل(الطائفة) ضمن معايير سلوكية معينة.على هذا الأساس سأقوم في الجزء الثاتي من المقال بتحليل سر التطرف الطائفي عند المهاجرين العراقيين في بلاد الغرب (تحديداً).