لكي ينجح الحوار
فاتح عبدالسلام
الحوار في ابسط مفاهيمه هو تحقيق الصلة بين طرفين او عدة أطراف، وقد يكون حواراً ذاتياً، يقيمه المرء مع نفسه في مراجعة أفكار ومواقف ورؤى.وفي العمل السياسي المعقد بالعراق، لم ينجح الحوار السياسي المنفتح بعد العام ٢٠٠٣، وكانت التفاهمات في خلاصاتها المهمة تعبيراً عن حوارات ما قبل ذلك التاريخ واحتلال البلاد ومنذ مؤتمر المحاصصة في لندن قبيل الحرب.حصلت حوارات كثيرة في السنوات الماضية، لكنها كانت محدودة الأطراف، لا تشتمل على الطرف المعني بالمشكلة في وقتها، وشهدنا حوارات تحت عنوان المصالحة الوطنية مرات عدة لنكتشف انها كانت مع أطراف على صلة يشوبها خلافات مع العملية السياسية، وليسوا خارجها، لذلك كان الحوار الوطني مقنناً بحسب ضبط سياسي محدد لمَن يحق له أن يكون طرفاً او لا يكون.
وتلك من أسباب انفجار الأوضاع في الغربية قبل حلول داعش، ولعلّ ذلك أيضا كان احد الأسباب التي جعلت العملية السياسية منطوية على نفسها بمشكلاتها وسلبياتها ومصائبها الى حد التآكل والافول واعادة تصدير الأزمات.لكي ينجح الحوار الوطني ، يجب أن يأخذ فترة اعداد مناسبة، وأن تنضج أفكاره ومساراته بشكل حقيقي، وأن يتوافر على ضمانات مستقرة، وان يكون شاملا للجميع وأولهم الطرف الذي كان سبب تفجير المشكلة وهو التيار الصدري، وهذا لم يتم ، لذلك بدا الحوار اجتماعاً تداولياً بين الأطراف السياسية في المعسكر الآخر مع بعض التطعيمات السنية والكردية والحكومية، وهذا النوع من النشاط السياسي لا يحاكي المشكلة المتفجرة وانما يزيد من تعقيد المشهد، فالطرف غير المشارك لا يمكن التفاعل مع قرارات او توصيات او مجرد بيانات لهذا الاجتماع. هذه الفعالية قد تناسب فترة مستقرة من تاريخ العراق وليس هذا الوقت المتفجر تحديداً.ازمة البلاد، لا تحتاج الى فعاليات من باب اسقاط الفروض، وانما يجب ان تكون هناك رؤية دقيقة للتعاطي مع الأسباب التي دفعت التيار الصدري الى الانسحاب من العملية السياسية ومن ثمّ نقل الازمة الى الشارع. حتى لو افترضنا ان التيار ليس لديه مدى معلوم او منظور لإنهاء الاعتصام وتخفيض الازمة فإنّ الأطراف الأخرى يجب ان تتعامل بحسب قنوات سياسية تديم صلات التفاهم حول الخطوط الحمر التي بدت واضحة وصارخة في اهداف اعتصام التيار، وان لا يكون الكلام تهويمات خارج بيت القصيد، وإلا فإن أي كلام هو تسكين للأوجاع وفترة انتظار قبل الوقوع في نكوص اكبر وأخطر.أمّا اذا كانت قراءة الأطراف الأخرى للمشهد المتفجر تذهب الى غير ذلك، فإنَّ هذه الفعاليات الحوارية الجارية غير المتوافرة على جديد نوعي سوف تفيد في اعادة بعض الوهج المؤقت للمشهد الذاوي.