لبنان ينتظر “ثلاثاء الحكم” بقضية الحريري بذاكرة جريحة وحاضر مكلوم
ينتظر اللبنانيون، الثلاثاء المقبل، بفارغ الصبر حيث تسدل المحكمة الدولية الستار على قضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بإصدار حكمها في هذا الملف الذي يستحوذ على اهتمام القاصي والداني.
ومع الأوضاع الأمنية المتردية التي يعيشها لبنان منذ 2005، أي لحظة اغتيال الحريري وما تلاها من اغتيالات وأحداث وهزات أمنية وصولا لانفجار بيروت قبل نحو أسبوعين والذي أطلق عليه “الثلاثاء الأسود”، يستبعد مراقبون انعكاس الحكم المنتظر على البلاد لعدة أسباب أهمها أن الاتهام ليس جديداً.
ليس هذا فحسب؛ بل إن رئيس الحكومة اللبنانية سابقاً سعد الحريري (نجل رفيق الحريري) استبق قرار المحكمة الدولية المنتظر بنشر رسائل تؤكد عدم نيته بالتصعيد.
وكان موعد حكم المحكمة الدولية مقررا له في 7 أغسطس/آب الماضي لكنه أرجئ إلى يوم الثامن عشر من الشهر نفسه بسبب فاجعة انفجار مرفأ بيروت، والتي أدت لسقوط حوالي 200 قتيل وأكثر من 6 آلاف جريح.
تعود تفاصيل اغتيال الحريري (الأب) إلى تفجير هائل أودى بحياته هو و21 شخصاً آخرين وذلك في 14 فبراير/شباط 2005.
وبعد مطالبات لبنانية بتشكيل لجنة تحقيق دولية، أنشئت المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع الملزم بمحاكمة المتهمين بتنفيذ الهجوم، في عام 2007، بعد قرار من مجلس الأمن الدولي.
وتوجه التحقيق الدولي أولا نحو سوريا، لكن ما لبث أن توقف عن ذكر دمشق، ووجّه الاتهام إلى 5 عناصر في مليشيات حزب الله، بالتخطيط وتنفيذ الاغتيال لكن الأخير رفض تسليم المطلوبين.
وباستثناء مصطفى بدر الدين، القيادي العسكري السابق في حزب الله والذي قتل في سوريا عام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيئاً عن مكان وجودهم.
وأسندت للمتهمين الأربعة، سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، اتهامات عدة أبرزها “المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، والقتل عمداً، ومحاولة القتل عمداً”. ويواجه المتهمون، في حال إدانتهم، السجن المؤبد.
وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلاً وانقساماً في لبنان بين مؤيدين لها من حلفاء الحريري وآخرين من أنصار حزب الله شككوا في مصداقيتها واعتبروها “مسيّسة”.
مصادر مطلعة أكدت بدورها لـ”العين الإخبارية” أن الأجهزة الأمنية اللبنانية أعدت خطّة استباقية لاحتواء أي تداعيات لقرار المحكمة الدولية، واطلعت الحريري عليها الذي أبدى بدوره تعاونا.
والجمعة عاد أمين عام مليشيا حزب الله حسن نصرالله وجدد التأكيد على موقفه الرافض لقرار المحكمة المرتقب، قائلا: “نحن متأكدون من براءتهم ونعتبر أنفسنا غير معنيين”.
ورغم الاتهامات التي كانت وجهتها المحكمة لأشخاص معروفين بانتمائهم إلى مليشيا حزب الله، يرفض وزير العدل السابق إبراهيم نجار القول إن الحكم النهائي معروف ومتوقع.
وأضاف “نجار” في تصريحات لـ “العين الإخبارية”: “قانونيا وأخلاقيا واحتراما للمحكمة الدولية التي تعمل منذ 13 سنة لا يمكن القول إن المحكومين معروفين إذا كانت هوية المتهمين معروفة، لأن الأساس في ذلك التعليل الذي ستصدره المحكمة والتي قد تجرم بعضهم دون الآخرين”.
سياسيا، يستبعد نجار أن يكون لحكم المحكمة ردود أفعال سياسية أو أمنية في لبنان، حيث يقول: “حصل استيعاب للموضوع في المرحلة السابقة إضافة إلى ما رافق الأمر من هجوم استباقي على القرار”.
ولا تتعلق القضية فقط باغتيال الحريري وإنما عملية التفجير نفسها التي أدت لمقتل الوزير السابق باسل فليحان وآخرين وأضرار هائلة، كانت بداية مسلسل إرهابي شمل جرائم أخرى مروعة كان يراد من خلاله تركيع لبنان وكسر شوكته وإسكات الكلمة الحرة فيه، بحسب وزير العدل السابق.
بدوره يُقسّم رشيد درباس الوزير السابق ونقيب محاميي طرابلس السابق، القضية إلى 3 أجزاء، الأول أن الحكم ليس نهائيا ولن يكون كذلك، “أي أن مكتب الدفاع لا شك أنه سيستأنف القرار حتما، والمدعي العام سيستأنف أيضا إذا برّئ المتهمون”.
الأمر الثاني أن الجلسة الأولى ستكون لإعلان الإدانة والثانية للعقوبات وبعد ذلك يودع الحكم لدى أمين عام الأمم المتحدة؛ حيث يتحول إلى وثيقة دولية صادر عن محكمة تحت الفصل السابع.
أما دور الدولة اللبنانية في هذا الإطار، فيرجح درباس أن الحكومة ستعمد إلى “تأجيل المؤجل عبر تسلّحها وراء انتظار الاستئناف”.
وفيما يتعلق بموقف الطرفين المعنيين بالقضية، أي تيار المستقبل وحزب الله، إذا صدر الحكم بحق المتهمين المحسوبين على المليشيات، رأى نقيب محاميي طرابلس السابق أن “المواقف الصادرة عن الحريري حتى الآن من الواضح تؤكدأنه لن يتجه للتصعيد ولن يترك الفرصة لأطراف أخرى بالمزايدة عليه”.
وبحسب درباس فإن موقف حزب الله معروف وأعلنه أمينه العام ومسؤولون فيه، وهو أن “المحكمة لا تعنيه ومسيّسة”، مضيفا: “لكن لا شك أنه سيكون لهذا الحكم تداعياته على حزب الله نفسه عبر المزيد من الحصار الدولي”.
وما بين هذا وذاك، قال النائب في الحزب التقدمي الاشتراكي هادي أبو الحسن في حديث إذاعي عن تداعيات صدور حكم المحكمة الدولية: “في سياق عمل المحكمة، تكشفت الوقائع، فلا نحن ولا الرئيس سعد الحريري ننتظر مفاجآت، المهم تبيان الحقيقة وتحقيق العدالة”.
وتابع: “لكن الأهم أن نتصرف بحكمة ووعي وأن نحفظ الوحدة الداخلية، واعتقد أن الرئيس الحريري سيكون حكيما، وعلينا جميعا أن نتطلع كيف نحمي لبنان؟”
وكان الحريري قد أعلن أنه سيشارك في جلسة المحكمة الدولية في لاهاي، الثلاثاء، واصفاً هذا اليوم بأنه “سيكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان”.