لا عذر لمن رشح للانتخابات
محمد شريف أبو ميسم
قد نجد العذر لشاب يجهل اننا نتاج لمراحل سابقة، وان المعطيات التي نتفاعل معها لا يتحملها الحاضر برموزه وتشكيلاته وحسب، بل يتحملها الماضي القريب والبعيد، مثلما يتحملها العقل الجمعي بوصفه نتاجا لتراكمات الأمس، هذا العقل القياسي الذي ظل متشبثا في فهم المتغيرات التي تخضع لها الحياة، بموجب قياسها مع ثوابت الماضي، ظل أسيرا لتابوهات الصالح والطالح دون أن يجتهد في فهم صيرورة المتغير، بينما ظل منشغلا بشعر الحماسة والزهو والتفاخر من دون أن يولي أهمية للعلم. وقد نجد العذر لهذا الشاب لأنه لا يعرف عن تاريخه القريب وعن منطقة الشرق الأوسط شيئا قبل وبعد الحرب الباردة، وما حل بشعوب المنطقة بعد زراعة الكيان الاسرائيلي، وما أعقب وجوده من حروب وأدوار مخابراتية أجازت استخدام كل الأدوات القذرة في اشاعة الفرقة وتسليط الطغات وتركيعهم، ولا عن طائفة الواحد بالمئة التي تقودها عائلة «روتشيلد اليهودية المتطرفة» التي تهيمن اليوم على نحو نصف ثروة كوكب الارض، وتتمسك بالشعار الماسوني «من الماء الى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى» وربما لا يعرف شيئا عن العولمة الاقتصادية وفكرة بناء الليبرالية عند شعوب عانت من الطغيان، بهدف الغاء سلطة الدولة واحلال سلطة رأس المال ليكون الاستثمار الأجنبي أداة حق يراد بها باطل، فهي أداة لتنشيط سوق العمل والقضاء على البطالة، وبديلا عن الدبابات والجيوش لاحتلال الأرض وشرائها بدعوى حق المستثمر بالملكية في الدولة الليبرالية تحت مظلة العولمة، بعد تدمير مقومات الدولة في ظل الحروب والنزاعات الداخلية وتكريس فشل الحكومات في الدول العربية، التي تشكل حزام الممانعة للوجود الاسرائيلي.وقد نجد العذر لهذا الشاب لأنه لم يقرأ عن معنى اقتصاد المعرفة وسر تفوق دول دون أخرى، جراء احتكار هذا الاقتصاد ومحاربة كل من يخوض فيه، وماذا تعني الهيمنة على أدوات العولمة الثقافية، وتحريك ثالوث العولمة (البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) لاغراق دول المنطقة بالمديونية وشروطها، ووضعها تحت معطيات صدمة التحول من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق، وقد نجد أنفسنا مدافعين عمن لم يقرأ بشأن نظرية الصدمة من أجل القبول بالحلول الجاهزة، وكيفية صعود برجوازية الكوارث في البلدان التي وقعت تحت رحمة طائفة الواحد بالمئة، ومن لم يقرأ عن الشركات التي تحكم العالم، وعن كيفية الاغتيال الاقتصادي للأمم. ولكننا لا نجد عذرا لمن يتصدى للمسؤولية السياسية ويتنافس عليها في هذا البلد، ويجهل ما يجهله هذا الشاب وسواه من الشباب الذين رفعوا شعار «نريد وطن».