لا إصلاح إقتصادي ووتيرة الفساد في تصاعد
لا إصلاح إقتصادي ووتيرة الفساد في تصاعد – علي الشكري
يقيناً أن لا حديث يدور عن خلو دولة من الدولة من آفة الفساد ، فالفساد صفة لصيقة بالبشر والدول ، بدليل قوله تعالى ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ” ، لكن المائز بين فاسد وفاسد ودولة ودولة ، أن بعض الفاسدين في بعض البلدان حكام أسياد يحكمون ويتحكمون ، ينصّبون ويعزلون يقررون وينفذون ، ويناصبون الكفؤ النزيه العداء ، فيصبح هو الخائف الذي يتهدده الفاسد ، فيركن للسكون والهدوء حفاظاً على وضعه المتواضع القائم ، أو يركن للاعتزال النهائي ، فيأمن على نفسه وأسرته بأس الفاسد المتحكم . وفي بلدان أخرى يقترن القول بالفعل ، والشعار بالعمل ، فالفاسد لص ضعيف ، خائف مختبىء ، يتهدده القانون ويلاحقه السلطان وتتابعه الأجهزة ، فيعمل في الظلام ، ويسير بحذر ، ويتجنب الصدام ، ويتحين الفرص ، عسى أن يظفر بالفريسة ، ويحصل على الغنيمة . في العراق يذهب البعض قاصداً أو مُظللاً الى أن الفساد من نتاجات القابض الجديد على السلطة ، ومن افرازات النظام السياسي الذي أعقب الاطاحة بالديكتاتور ، وبالقطع أن من أعتقد ذلك على ظلالة ، فقد أسست النظم الشمولية المتعاقبة ومنذ عهد الانقلابات الأول ، وربما قبلها لمنظومة الفساد ، لكن هذه المنظومة كانت تعمل في إطار ضيق لا تتجاوز حدود العائلة وربما الحاشية المقربة ، والفساد محظور على غيرها ، ومن يُطاح به متلبساً بالفعل يعتلي حبال المشانق دون شفيع أو وسيط ، ويتبرأ منه الجميع رفاق وأصدقاء وأقرباء ، خشية اللحاق به أو الإقصاء ، لكن ذلك لا يعني مطلقاً شرف القابض ، ونزاهة الحاكم ، وعفة يد المتصدي ، واستقلالية المنظومة ، لكنه كان يعكس نظرة الحاكم للمال العام ، فالمال العام ماله ، وإيرادات الدولة عوائده ، وثروات البلاد مختصاته ، وما فوق الأرض وباطنها وما يعلوهما ، مختص وأرث وحق خاص ، من تمتد يده اليه تقطع بقرار المالك لا بحكم القضاء ، بدليل أن المالك كان يهب ويُكرم ويأمر ويمنح ويمنع ويقبض ويدفع ، بهامش وموافقة وتوجيه ، بعيداً عن الموازنة وبنودها وتقييداتها ، أما أجهزة الرقابة فكانت في مواجهة المحكوم لا الحاكم ، وهو ما يُبرر مقولة أن الموازنة العراقية في عهد النظم الانقلابية كانت تتضمن ثلاثة بنود ، تشغيلة واستثمارية وموازنة أمر الرئيس القائد ، ويحدثونك عن نزاهة الراحل وتحييد أسرته ، وطهارة أولاده ، وتدين عائلته ، وخشوع حاشيته ، ودوران أجهزة الدولة بانتظام بعيد عن الفساد ، فتجسد في بناء دولته رؤية الجاحظ في المدينة الفاضلة !!!!! فكل افرازات النظام السابق يتحملها القابض الجديد على السلطة ، فهو من زج في السجون ، وذاته من هجّر ورحّله وسفّر وصادر الاموال والممتلكات ، وهو من عبث بعقارات البلاد شرقاً وغرباً فوضع اليد وانتزع واغتصب ، وذاته القابض الجديد على السلطة ، هو من وجه مدافعه لابناء الجنوب والوسط والشمال ، وهو من زج العراق في حرب عبثية مع الجارة إيران ، وذاته من احتل الكويت ، وهو من تسبب في الحصار الاقتصادي الأقسى في التاريخ ، وذاته من سلّم السلاح ومفاتيح البلاد ، فأطيح بحكمه وأستبيحت البلاد . ويقيناً أن الحديث عن الماضي القريب لا يعني حتماً تبرير تفشي الفساد وتغلغله في مفاصل الدولة ، وتفرد العراق بالمراتب الأولى للدول الأكثر فساداً ، فقد تحول الفساد في تسعينيات القرن المنصرم الى رجولة ورباطة جأش وتحدي للأعلى إدارياً ، وفرض على الأضعف والمواطن صاحب الحاجة ، والسلطة تتابع مستبشرة مسترة بما يحدث ، لاعتقادها أن في ذلك اطالة لعمرها ، واضعاف للمجتمع ، وتسيد لطبقة ارتبط فسادها بالسلطة ، فراحت تعبث بمقدرات المجتمع ، ومصير البلاد والعباد ، ويقيناً أن الظروف التي رافقت الاحتلال ، من إدارة شأن البلاد من قبل الحاكم المدني ، الى إسناد الشأن لغير المختص ، الى حل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية ، الى اجتثاث طبقة ، إدارة وتحكمت وعبثت ، الى الإرهاب والقتل على الهوية ، الى تشكل اجهزة أمنية ورقابية غير متخصصة ، كلها ظروف وأسباب أنتهت الى تفشي الفساد ، وهيمنة الفاسد ، وتحكّم الفاشل . لقد تصدى ممثلو المرجعية الدينية العليا في خطب الجمعة ومنذ وقت مبكّر لظاهرة الفساد ، ونبهّو متخذ القرار ومصدره ، الى أن هذه الظاهره تساوي الإرهاب خطورة إن لم تفقه ، وطالبت شاغل المنصب الأول بالضرب بيد من حديد على يد الفاسد ، واللافت أن كل من تصدى راح يشخّص ومنذ اليوم الأول لولايته ما يعاني منه العراق ، وأصل الإشكاليات ، وأس التراجع الاقتصادي ، ومنبت الاضطراب الأمني ، ومسوغات ارتفاع معدلات الفقر ، وأسباب تصاعد منحنى البطالة ، وكوامن غياب الأمن الغذائي ، وكلها تتمحور حول الفساد وانتشاره وتسيده ، وكل قادم يُحّمل السابق مسؤولية الانتشار والتفشي وتصاعد الوتيرة ، ويقف مكتوف الأيدي أمام الفاسد ومنحني أمام الفساد ، كيف لا والوزير يشتري مسبقاً المنصب أو يتعهد بموجب صكوك مصدقة بالسداد ، والمحافظ يُنصّب باتفاق ، والوكيل والمدير العام يأتي بنظام الحصة والنقاط وعدد المقاعد في المجلس النيابي ، والنائب مدفوع الدعاية الانتخابية وشراء الصوت إبتداءً الا ما رحم ربي ، ويحدثونك عن استجواب الوزير ومراقبة التنفيذي ، وتتبع العقود وآلية ابرامها ، ومحاسبة المقصر ، وملاحقة الفاسد ، والرقيب لم يعتلِ مقعده الا بشراء الصوت وبيع الذمة ، الا من كسب ثقة الناخب ، وصان النفس ، وأدى الأمانة ، وبر باليمين . ويحدثونك عن الاصلاح الاقتصادي والتصحيح المؤسساتي ، وخارطة الطريق ، وشارعة التصويب . على متخذ القرار الساعي لتخليد اسمه ، وحفظ تاريخه ، وصيانة ماضيه ، أن يختار أحد قرارين أيسرهما عسير ، واحلاهما مر ، ومبسوطهما وعر ، أما مغادرة المنصب برفعة وسمو ، اعتراضاً على اوضاع ورفض لقائم ، أو التصدي ببراءة ذمة ، وإرضاء ضمير ، وحفظ اسم ، بالضرب بيد من حديد على رأس الفاسد لا يده ، وعرض الملفات ، وحماية الرقيب ، وملاحقة من تسبب بخراب العراق بفساده ، وتتبع الاموال المهدورة والمطلوبة والمغسولة ، فتلك الاموال ، ثروة شعب ، ومؤنة قائم وذخيرة جيل ، فرمي الفاسد في غياهب السجون وخلف القضبان ، لا يعوض ثروة ، ولا يبني وطن ، ولا يردع لص ، وعلى من اعتقد أن غض البصر عن الفاسد كتلة أو فرد ، ومسايرة الفاشل ، والتغاضي عمن اشترى الذمم وباع البلاد واجاع العباد ، سيطيل عمره في المنصب ، ويعدد ولاياته ، ويجمع الكتل حوله ، هو على ظلال ، فرضا الرعية ، وصيانة الأمانة ، وبناء الوطن ، وحفظ المال ، تطيل المكوث ، وتقوي المتصدي ، وتبني الوطن ، فمازال حكم ورائه شعب ناصر ، وما مكث في السلطة حاكم نصر فاسد وظلم شعب ، فالظلم زائل وإن طال الأمد .