لاتتمنى إلا الحال التي جعلك الله عليها
هادي جلو مرعي
نعيش في هذا العالم البشع، والمليء بالمتناقضات، ولاندري أي نهاية ستكون تلك التي تطوينا، ولايعود لنا من ذكرى حتى، وربما نسينا حتى المقربون منا، والذين يعرفوننا، والذين عشنا حياتنا بالشراكة معهم. سأذكر أمثلة، وليس على سبيل الإساءة، ولكن للمناسبة التي إقتضت ذلك، فالصديق الذي أتخذه مثلا في هذا المقال لم يكن راضيا عن شيء، وكان حسودا، ويتمنى زوال نعمة الآخرين، وكان يحكي لي عن بعض مغامراته، وعن إحساسه الغريب بالأشياء والأماكن والأزمنة. قلت له: أنت غالبا ماتذكر لي أسماء شخصيات من ذاكرة الزمن، وتعلن حسدك لهم، ولكنك تتجاهل نهاياتهم التي لاتتمناها، ولن يكون بمقدورك تحمل الثمن الذي قد تدفعه لو كنت مكانهم، فالزعيم الكبير الذي وقفت على بعد أمتار منه وهو يتخطى قرب جنازة صهره إنتهى بطريقة لاتتمناها لأحد، وربما لن توافق على أن تكون بدلا منه لو عاد بك الزمن، وخيروك بين أن تحصل على ماحصل عليه هو، ثم تنتهي نهايته، وبين وضعك الحالي، ولاأحد يهددك بشيء، وأنت تأكل السمك معي في المطعم البغدادي على شارع أبي نواس رحمه الله؟ قلت له: هل تذكر الشاب الوسيم الذي كان يأتي بسيارته الخاصة وعيون الناس تراقبه، وهم منبهرون به، في ثمانينيات القرن الماضي، وكنت أنت واحدا منهم، وعينك عليه حسدا وإنبهارا، وتمنيا أن تنال حظوته وحضوره، ولكنك لم تعد الآن تتمنى ذلك، وأنت تراه يموت بهذه الطريقة، ويدفن، وقد فر منه محبوه في مقبرة معزولة، بينما أنت جالس معي في المطعم البغدادي تأكل السمك على شارع أبي نواس رحمه الله. ياصديقي لاتتمنى إلا الحال التي جعلك الله عليها، فقد تكون بخير وعافية، بينما الذين تمنيت أن تكون على حالتهم ينتهون أمام عينيك نهايات فجيعة ومحزنة وصادمة، وتثير الأسى والإشفاق، حتى لو صورهم البعض كأبطال قصص وأساطير خرافية.. فجلوسك قبالتي على طاولة في هذا المطعم خير لك من أن تكون زعيما يموت بطريقة مأساوية، أو نجما يغادر دنيانا بطريقة لم تكن متوقعة.