كيف سيكون التغيير المقبل؟
فاتح عبد السلام
صارت الأحاديث عن التغييرات المقبلة في العراق على كل لسان، ويقوم اعلاميون وكتّاب وسياسيون من خارج المشهد العام بالترويج لسيناريوهات المحتملة لما هو قادم، بطريقة استعراضية صاخبة ومثيرة، مع إعطاء مواعيد باليوم والشهر والسنة في انقلاب الأوضاع رأسا على عقب.
ومعظم التصريحات هي عبارة عن أمنيات ورغبات وربما أهواء وتضارب مصالح. وذهب بعضهم الى القول انَّ المحاكم ستفتح أبوابها لمحاكمة شخصيات من الصف الأول والثاني وعلى مدى عشرين سنة.
ويبدو انّ الأوهام تتلبس العقول التي لا تدرك انّ التغيير المحتمل الوحيد في العراق يخص هيكليات سياسية في بناء الدولة مع تعديلات دستورية وقرارات حكومية ذات موافقة برلمانية، وتحويل العملية السياسية التي درجت على سياقات خارج أسس الدولة الصحيحة الى تكوين مؤسساتي يعيد الهوية المدنية للعراق بشكل يرسخ الاستقرار والسيادة معاً. لكن هذا المشوار الذي يمكن التقاط مؤشراته هنا أو هناك، لا يزال طويلا وبحاجة الى اجماع سياسي على قبول فكرة اجتراح طريق جديد، بما ينطوي عليه من ضرب للمصالح الضيقة والامتيازات الاقتصادية للإقطاعيات السياسية الجديدة التي قامت في العراق على مدى عقدين. في ضوء ذلك، لن تكون هناك احداث دراماتيكية تقلب الكراسي والمناصب والمقامات، وكل شيء قد يتم ترتيبه بهدوء من خلال إعادة تقديم الواجهات السياسية. هناك مسار خاطئ في العراق هذا امر مفروغ منه، لكن المسؤولية لا تتعلق بحكومة حالية او سابقة، وانما في تركيبة العملية السياسية وخياراتها التي تهشمت وأثبتت فشلها مرارا من دون ان تتوافر الجرأة لإعادة بنائها بما يرتبط بالمصلحة العراقية حصراً.هناك مَن يتساءل، ماذا ستقول الدول الإقليمية والكبرى المؤثرة في التغييرات البنائية في هيكل الدولة العراقية وإدارتها؟ وهو سؤال مشروع استنادا الى تاريخ طويل من الضغوط التي خضعت لها البلاد عبر سنوات الوهن الطويلة التي مرت بها، لكن في المقابل، فإن العراق دولة ذات سيادة ، تمرض لكنها لا تموت، وهي عضو في الأمم المتحدة ومؤسس في الجامعة العربية، ولن تكون لقمة سائغة لأي جهة دولية مهما قيل من حقائق عن التدخل السابق في الأوضاع الداخلية. لابدّ من نقطة نهاية لكل شيء ، ومن نقطة بداية جديدة.