كورونا ليس خلق مختبري
الكاتب : أ.د. محمد الربيعي
ظرية المؤامرة سلوكية متجذرة في عقل العربي لأنها تريح الفرد من عناء البحث عن الأسباب، وتغذي التفكير بأننا ضحايا لمن يتآمر علينا، ولولا هذه المؤامرات لكنا في وضع أفضل بكثير. الاحداث تغذي هذه النظرة ومنها اليوم انتشار مرض فيروس الكورونا.. هناك خلل ما في التفكير العربي. لن يعيرك أحد باهتمام فيما إذا طرحت الموضوع بصورة علمية، لكنك إذا اثرت موضوع بصورة دوغماجية، وتعديت حدود العقل، وقاربت ادعاءات الغيب، وعانقت معتقدات الناس، ومسجت ما يحبون سماعه، فانهم سيكونون سامعين صانتين صاغرين لك. ولهذا تجد الفيديوهات القصيرة للمدعين الجهلة تحظى بشعبية كبيرة حتى بين المثقفين والأكاديميين، وهم اليوم يغذون عقل العراقي من جهات خارجية لها مصلحة في تدمير عقله.
لم أكن بالراغب بكتابة مقالة بشأن كذب الادعاء بوجود مؤامرة حول ظهور فيروس الكورونا في الصين، وانتشاره في العالم، لأني لن اتمكن من أحد، فالأدوات المتوفرة لي شحيحة مع الاسف. عقلية المؤامرة تتطلب مني اليوم ان اتهم دولة دون أخرى، او اسند ادعاء هروب الفايروس بعد تطويره من المختبر بدون توفر ادلة. المعذرة.. لم أستطع كبح جماحي.
كل واحد يمكن ان يقع ضحية الاشاعات التي تدعي صناعة فيروس الكرونا المرضي الا علماء التطور البيولوجي. أؤكد لكم بأنه إذا فهمنا آليات الانتقاء الطبيعي فهذا كفيل بأننا سنضحك على عقول المدعين بالمؤامرة.
احتار كعالم بطريقة تفكير بعض من يسمون أنفسهم علماء بيولوجيين. وأتساءل كم مرة اتهمت دول بمثل هذه الخزعبلات من صناعة جراثيم او فيروسات مبتكرة كالإيدز والايبولا. واليوم على الرغم من الجهود المتكررة للعلماء في فضح المعلومات، إلا أن نظريات المؤامرة تحوم حول أصول فيروس الكورونا، والتي تعتمد على فكرة أن الفيروس هرب من مختبرات معهد ووهان لعلم الفيروسات، حيث قام الباحثون ببناء واحدة من أكبر قواعد البيانات في العالم للفيروسات المرتبطة بالخفافيش، وكانوا أول من عرف فيروس كورونا الجديد بأنه مرتبط مباشرة بسلالة برية موجودة في الخفافيش.
يلقون التهم جزافا ويتجاهلون الطفرات التي تحدثها البيئة في جميع الكائنات الحية، والتي تنتج ملايين من الكائنات الجديدة، ولكنها ولحسن الحظ لا تتمكن من البقاء الا إذا وجدت مضيف مناسب او بيئة مناسبة. الطفرة هي تغيير في مكان معين من الحامض النووي للكائن الحي. وهي قوة لتغيير او لإدخال جينات جديدة، وتعتبر المصدر الرئيسي لجميع الاختلافات، ولمسببات الأمراض الجديدة. تلعب الطفرة دورًا مهمًا في التطور.. تعد الطفرة مهمة كخطوة أولى للتطور ولكننا لا يمكن ملاحظتها إلا إذا أحدثت كائنا مرضيا، او شكلا متميزا كما هي الحالة مع فيروس الكورونا الجديد. تحدث الطفرات في الفيروسات بمعدل يصل الى واحدة في كل ترليون فايروس! لكن معظم هذه الطفرات تؤدي الى موت الفيروس.
أحمق من ينشر فيروس لا يعترف بالحدود ولا يعرف العلماء طريقة انتشاره. لو اردت تدمير شعب او تدمير اقتصاده لصممت فيروسا يصيب عرق معين او شعب دون اخر او على الاقل باحتمال أعلى. هناك تقبل لأمراض من قبل اعراق او شعوب أكثر من غيرها. غباء ان نقول مثلا ان الصين تطلق عددا من سلالات الأنفلونزا التي تصيب 15 مليون من الامريكان وتقتل ما لا يقل عن ١٠ الالاف كل عام. لماذا ينتج لقاح جديد للإنفلوانزا كل عام؟ اليس لأنه تظهر سلالات مرضية جديدة؟ لماذا اذن تظهر سلالات جديدة للإنفلوانزا ولا تظهر لأي فيروس اخر؟
تمرير نظرية المؤامرة القائلة إن فيروس كورونا الجديد هو سلاح بيولوجي تم تطويره في المختبر هو مجرد ادعاء يمرر على جهلة العلم من بعض ادعياء العلم لموضوع لا أساس له من الصحة. لقد رفضه جميع الباحثين البارزين في الفيروسات والبيولوجيا وخصوصا من له علاقة بعلم التطور.
دراسة حديثة اثبتت مزاعم نظرية المؤامرة. اعتمدت الدراسة على بيانات تسلسل الجينوم من سلالات فيروس كورونا المعروفة لتحديد المؤشرات الرئيسية في تطور بنية الفيروس.
وجد الباحثون أن أحد هذه المؤشرات تؤثر على الطريقة التي ترتبط بها “الطفرة” الفيروسية بالخلايا البشرية، وأثبتوا انه إذا كانت الروابط قد تم تصميمها بالفعل لكان قد تم تحسينها للاستيلاء على الخلايا البشرية بطريقة أفضل بكثير من حيث انه إذا كان ما نراه فيروسًا مصممًا وراثياً، فإن المصممون كان يجب ان يأخذوا الفيروس “المرضي” الذي نعرفه سابقا ويستعملون نفس التركيب الجيني له. لكننا لم نر هذه الميزات المرضية من قبل، لأنها تطورت بشكل طبيعي، وبشكل منفصل في البيئة ولم يتم تصميمها وراثياً. كما إنه إذا تم التلاعب بالفيروس من قِبل الباحثين في المختبرات، كان لابد تشييده من “العمود الفقري للفيروس الموجود مسبقًا”، لكن هذا لم يكن كذلك.
مؤخرا، وبضمن حملة علمية لدحر الاشاعات التي تدعي صناعة الفيروس في معهد ووهان لعلم الفيروسات نشرت مجلة “لانسيت” الطبية بيان وقعه حوالي 15 ألف عالم (بضمنهم كاتب هذه المقالة) يؤكدون وقوفهم معًا لإدانة نظريات المؤامرة التي تشير إلى عدم وجود أصل طبيعي لفيروس كورونا الجديد. ويلاحظ مؤلفو البيان أن العلماء من العديد من البلدان الذين درسوا فيروس كرونا الجديد استنتجوا بأغلبية ساحقة أن هذا الفيروس نشأ في الحياة البرية، تمامًا مثل العديد من الفيروسات الأخرى التي ظهرت مؤخرًا بين البشر. ويقول البيان إن نظريات المؤامرة لا تفعل شيئًا سوى خلق الخوف والشائعات والتحيز التي تهدد التعاون العالمي في مكافحة هذا الفيروس.
الخلاصة، ان الأدلة تشير الى تطور الفيروس من خلال الانتقاء الطبيعي عن طريق مضيف حيواني قبل القفز إلى البشر، وتبرأ الأدلة أي دولة او مختبر من صناعة الفيروس بصورة متعمدة.
ـــــــــــــــــــــــ
نظرية المؤامرة حسب تعريف الوكيبيديا: نظرية المؤامرة هو مصطلح إنتقاصي يشير إلى شرح لحدث أو موقف اعتماداً على مؤامرة لا مبرر لها، عموماً تأخذ المؤامرة في مضمونها على أفعال غير قانونية أو مؤذية تجريها حكومة أو جهات أخرى قوية. تُنتج نظريات المؤامرة في أغلب الحالات إفتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة.
وفقاً للعالم السياسي مايكل باركون، تعتمد نظريات المؤامرة على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاث مبادئ: لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه. أحد الصفات الشائعة هي تطور نظريات المؤامرة هذه لتدمج في تفاصيلها أي دليل موجود ضدهم، ليصبحوا بذلك جملة مغلقة غير قابلة للدحض وعليه تصبح نظرية المؤامرة “مسألة إيمان بدلاً من دليل”.