كلمتي للحاضر:الحشدُ باق ولكن
كلمتي للحاضر:الحشدُ باق ولكن – منقذ داغر
في خضم الجدل الدائر حالياً بخصوص الحشد الشعبي،أريد أن أبرىء ذمتي للحاضر قبل التاريخ، وأقول أن من الاخطاء الاستراتيجية الكبرى التفكير بألغاءه الان. كباحث في الشأن الاستراتيجي،وعسكري سابق،ومطلع على الرأي العام المحلي والخارجي،أرى ان التفكير بألغاء الحشد له من الكلف السياسية والاقتصادية،بل والاجتماعية ما يفوق كثيرا كلف وجوده التي هي في الاساس عالية. أن التحليل الواقعي لواقع الفرص والتهديدات من جانب ونقاط القوة والضعف من جانب آخر،لا للحشد كمؤسسة فقط بل لكامل المنظومة السياسية ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي والدولي( وأرجو أن يتاح لي المجال في دراسة معمقة قادمة لشرح ذلك تفصيلاً ) لا يترك مجالا للشك عندي بأن من يسعى لالغاء الحشد الآن هو أما مراهق سياسي أو متطرف آيدلوجي.لكن-وضعوا أكثر من خط تحت كلمة ولكن- أذا استمر الحشد باتجاهاته المشابهة لمحاولته الانقلابية على أسوار الخضراء قبل أيام،فأنه أما سيكتب شهادة وفاته،أو يؤسس للفوضى الحرَاقة التي كتبت عنها قبل أيام. أن ماجرى بعد تحرير العراق من داعش المجرم جعل الحشد الشعبي يضيع بوصلته التي يفترض انها تقود توجهاته الاستراتيجية. ولأن من أسس وشارك في الحشد لم يكونوا رجال قتال مدربين مثل الجيش،ولم يكونوا رجال سياسة مهنيين أو رجال دولة محترفين لم يستوعبوا على ما يبدو هذا الانتقال من حالة الحرب والقتال الى حالة السلم والبناء. لذا تحولوا اما الى مسلحين سياسيين(اي مسلح يشتغل بالسياسة)،أو سياسيين مسلحين(أي سياسي يرفع السلاح)، وكلتا الحالتين لا تبنيان دولة!لقد اسهمت،باعتقادي، ثنائية الدولة-المقاومة التي روجت لها قيادات الحشد والفصائل المسلحة الاخرى،وماكنتهما الأعلامية، بخلق هذا الهجين غير المتجانس للادوار،وهذا اللون الرمادي للخيار.أن لعبة الكراسي الموسيقية أو قبعات الحاوي تصلح،بل وقد تكون مطلوبة عندما تتعامل مع العدو لتشتيت انتباهه وصرفه عن ما نفعل حقا،لكنها مضرة ومدمرة عندما تكون شريكا في الدولة. فالشراكة تبنى على وضوح الادوار والغايات.هنا لا بد لي من الاشارة الى اني أفهم عدم ثقة الشيعة عموما،وسياسييهم بخاصة،بالدولة بعد كل هذا التاريخ الذي عانوا منه،لكن ما لا أفهمه أن يعارض،بل يقاتل،البعض الدولة التي أسهم في أنشاءها والتي أعطته الفرصة لقيادتها،فيفضل استبدال لقب قائد أو رجل دولة بلقب قائد أو رجل فصيل مسلح!إن على من يريد المحافظة على الحشد ومنجزاته أن يعمل بأتجاهين:الأول والأهم هو تعزيز قوة الدولة العراقية فببساطة وبدون وجود دولة يتحول الحشد الى فصائل مسلحة خارجة عن القانون حسب نص الدستور،ويفقد شرعيته القانونية.أما الاتجاه الثاني فهو تعزيز الاحتراف والمهنية التي تقتضي أولاً وقبل كل شيء أبعاد القوات المسلحة (وبضمنها الحشد) عن ميدان السياسة،وثانياً حسم جدلية الدولة-المقاومة في عقول وقلوب الجميع وفي مقدمتهم قادة الحشد وماكنته الاعلامية التي باتت عبئاً عليه. يحب ان يدرك الجميع انه لا يمكن ان يكون عضو برلمان او وزير أو مدير عام ،أو مقاتل في القوات المسلحة صباحاً و(عصاة) أو معارضة أو مقاومة بعد الدوام!! وهنا يجب ان يتم التــــــمييز بوضوح بين معارضة الحكومة ومعارضة الدولة. فالسياسيين(لا المقاتلين) القريبين من الحشد يمكنهم معارضة الحكومة لكنهم سيثقلوا على الحشد اولا اذا عارضوا الدولة.