الاولى نيوز/بغداد
شيرزاد شيخاني
( 1 )
لوكان تأسيس الدولة الكردية سهلا الى هذه الدرجة التي تصورها عقل السيد مسعود البارزاني وأعوانه، فإن والده الراحل الملا مصطفى كان مقصرا بحق شعبه، وبالتالي ماكان يستحق اللقب الذي اسبغ عليه وهو ” رمز الأمة والأب الروحي للشعب الكردي” لأن واجب الأب كما هو متعارف عليه هو تأمين مستقبل أولاده.
وإذا كانت الظروف الموضوعية والذاتية من الناحية الجيوسياسية متوفرة في السابق لتشكيل الكيان الكردي المستقل، فسيكون جميع القادة الذين سبقوا مسعود البارزاني متهمون بخيانة قضية شعبهم، لأنهم قصروا في تأسيس الدولة المستقلة في تلك الظروف المؤاتية.
اذن المغامرة التي أقدم عليها مسعود البارزاني بتنظيم الإستفتاء لأجل الإنفصال عن العراق هي بكل المقاييس مغامرة غير مدروسة، وهي لاتعدو سوى فورة غضب على بعض الإجراءات التي إتخذتها بغداد في السنوات الأخيرة ضد قيادات حزبه الفاسدين، خصوصا طرد نائب رئيس الوزراء السابق روز نوري شاويس ثم قريب بارزاني بابكر زيباري رئيس أركان الجيش، ثم خال البارزاني هوشيار زيباري وزير المالية. إذن الأمر يتعلق بردة فعل لحدث وليس نية صادقة لتأسيس كيان كردي مستقل تأخر كثيرا وواجه عبر قرون طويلة صدا جغرافيا وسياسيا.
يبدو لي أن السيد مسعود البارزاني فقد البوصلة بسبب تلك النكبات التي حلت على عائلته في السنتين الأخيرتين. فعلى الصعيد المحلي واجه مشكلة كبرى عند إنتهاء ولاياته القانونية، فلم يجد بدا من تعطيل البرلمان حتى لايستطيع أحد أن يرشح نفسه لرئاسة الإقليم. وتبعا لذلك ورغم أنه حقق مراده بالبقاء في السلطة لسنتين تاليين، لكنه خسر الشارع الكردي المتعاطف مع حزبه، وإصطف الجميع خلف أحزاب المعارضة وهذه كانت نكسة أخرى واجه حزب بارزاني من خلال تدني ملحوظ في شعبيته لمسنا نتائجه خلال المقاطعة التي جرت لإستفتائه على الإنفصال.
إنتهاء تهديدات داعش ونجاح القوات العراقية في تحرير الموصل وكسر شوكة الإرهاب وإستعادة الكثير من المناطق التي إحتلها هذا التنظيم، يقابله الخزي الذي لحق بقوات البارزاني حين هربت من سنجار وسلمت الإيزيديين الى يد الدواعش، ساهم ذلك بتخفيف الضوء الإعلامي المسلط على قيادة البارزاني، وأدى الى خفض دعم التحالف الدولي إليه وتوجيه الأنظار الدولية نحو العراق وجيشه المنتصر أمام داعش.
كل هذه الأمور وغيرها جعل البارزاني يعيش في عزلة محلية ودولية تامة، أدت به الى أن يرمي حجرا كبيرا في المياه الراكدة بقصد لفت الإنتباه، لكن الحجر كان ثقيلا الى درجة لم يستطع لا هو ولا أعوانه أن يخرجوه من الماء، فتسبب ذلك بغلق جميع الأبواب الإقليمية والدولية بوجهه.
اليوم يمر مسعود البارزاني بأسوأ أيام حياته، فهو الى الأمس كان يحسب له ألف حساب، وتتعامل معه الأوساط الدولية كزعيم أوحد لكردستان، ولكن بمغامرته للإستفتاء وإعلان الإنفصال رغم كل المناشدات والتحذيرات الدولية فقد شعبيته ومقبوليته وأصبح ينظر إليه كأحد رؤوس التطرف والتعصب القومي الذي ليس له مكان في الوضع الراهن، لأن العالم برمته عانى من تبعات التطرف سواء التطرف الديني أو المذهبي أو القومي، وعليه فإنه أحرق جميع أورتاقه بالإستفتاء وأصبح شخصا غير مقبولا من قبل القوى الدولية والإقليمية بعد أن كان مرفوضا شعبيا.. وهكذا جنت على نفسها براقش.
( 2 )
إذا راجعنا التاريخ الكردي وخاصىة تاريخه النضالي، سنجد بأن معظم الثورات الكردية التي إندلعت بكردستان العراق كانت تدعم من إيران.وتحديدا ثورة أيلول التي إندلعت عام 1961 بقيادة والد مسعود البارزاني، وكانت في الحقيقة صنيعة نظام الشاه بدليل أنه بقرار واحد من الشاه بعد مصالحته مع صدام وتوقيع معاهدة الجزائر إنهارت تلك الثورة.
وحين جاءت الثورة الجديدة بقيادة الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني عام 1976 لتكون ثورة تقدمية غير مرتبطة بالأجندات الإقليمية ومعتمدة على الدعم الشعبي، عادت عائلة البارزاني منذ البداية الى المشهد السياسي بدعم إيران أيضا من خلال تأسيس جماعة القيادة المؤقتة المعارضة لقيادة طالباني. وكان الهدف من تشكيل هذه المجموعة هو مصادرة الثورة وتكريسها لمصلحة نظام الشاه الإيراني.وهكذا ظلت إيران الشاهانية ثم الإسلامية مستمرة بدعم البارزاني الى حين إستبدله هذا بتركيا الأتاتوركية ثم الأردوغانية.
أما تركيا فمعلوم أنها منذ تأسيس الخلافة العثمانية كانت ولاتزال تقف بالضد من أية تطلعات قومية مشروعة للشعب الكردي، وظلت هذه السياسة العدائية ثابتة الى حين وصول أردوغان وحزبه الى السلطة فتغيرت تلك السياسة من العداء المستحكم ضد الشعب الكردي الى نوع من الإنفتاح الإقتصادي والتعامل مع الأمر الواقع، وبذلك أصبح أردوغان ونظامه أحد الأصدقاء الداعمين الأساسيين لبارزاني وسلطته، حتى أنها ضحت بصداقتها لبقية الأطراف السياسية الكردية من أجل إرضاء حزب بارزاني.
أما في العراق فقد كان للشيعة تاريخا نضاليا مشتركا مع الشعب الكردي طوال سنوات الثورة ضد الدكتاتوريات المتعاقبة على العراق، ولعل فتوى السيد محسن الحكيم بتحريم قتال الكرد تعد ذروة التعاطف الشيعي مع قضية الشعب الكردي، وكذلك مشاركة المقاتلين الشيعة للكرد في خوض كفاحهم المسلح ضد النظام الصدامي، وبذلك أصبح مصير الشيعة والكرد واحدا، وحين سقط صدام كانت الأطراف السياسية الشيعية هي الأكثر دعما لتثبيت الحقوق الكردية في الدستور العراقي الدائم.
من المؤسف أن مسعود البارزاني الذي فقد البوصلة، خسر كل هذه القوى المحلية والإقليمية الداعمة لسلطته، وإستمع الى مجموعة صغيرة من مستشاري السوء الذين أحاطوا به في الفترة الأخيرة من لصوص النفط مثل زالماي خليلزاد وجاي غارنر، والصهيونيان برنارد ليفي وبرنارد كوشنير، وغيرهم من المستشارين الحمقى الذين يحيطون به داخل قصره الرئاسي وأصر تحت تأثيرهم على الإستفتاء والجهر بالإنفصال، ولم يستمع الى نداءات تركيا وإيران والعراق وكذلك نداءات الكتاب والسياسيين المخلصين، فخسر جميع أصدقائه وحولهم الى أعداء، في حين أن أعداء الأمس لم يتحولوا الى أصدقاء مخلصين له، بل تركوه بمنتصف الطريق وحيدا يواجه مصيرا أسودا.. وهكذا جنت على نفسها براقش.
(3)
منذ إعلان قرار الإستفتاء وقفت موقفا رافضا له. ولم أخف أو أرتعب من ردود فعل سلطة دكتاتورية تتسلط على رقاب شعبي في أربيل والتي تقتل أصحاب الرأي الآخر وتغتال الكتاب والصحفيين وتقمع صوت الشعب، فأعلنت موقفي بكل وضوح من خلال كتاباتي ومشاركاتي الإعلامية بالقنوات الفضائية. وقلت بصريح العبارة بأنني ضد الإستفتاء وحتى ضد الدولة الكردية التي يشكلها مسعود البارزاني.
وكان موقفي يستند على ما لمسته وعشته مع هذه التجربة الفاشلة التي يقودها مسعود البارزاني منذ عام 2005 حين أنتخب رئيسا للإقليم.. ففي ظل حكمه غير الرشيد لاقينا نحن الشعب الكردي الكثير من العذاب والمعاناة بسبب الفساد الذي إستشرى بين عائلة البارزاني وأقطاب حزبه الى حد وصل الأمر الى إفقار الشعب وقطع رواتبه والى إنعدام المشاريع الخدمية الأساسية، والى سلوك سياسات عدائية ضد الحكومة المركزية ما أدى الى قطع ميزانية الإقليم بسبب إستحواذ عائلة البارزاني على ثروة النفط وسرقة عوائدها وإيداعها في حسابات خاصة ببنوك خارجية.
ولو كان قائد الإنفصال ومؤسس الدولة هو شخص كالقائد الرمز جلال طالباني لكنت أول الداعمين لهذه الدولة، لأن طالباني كان إبن الثورة وقائدها، أمضى جل حياته في الجبال وبين شعبه، وكرس كل جهوده للتفاهم مع القوى السياسية الأخرى، وكان شخصية سياسية محكنة يستطيع بحكمته البالغة إقناع العالم بأحقية شعبنا بتأسيس الدولة دون أية مواجهات دموية، وليس الدعوة الى الإستقلال تحت يافطة صهيونية مشبوهة ورفع العلم الإسرائيلي في التظاهرات المؤيدة لتشكيل الدولة الكردية، وبالمقابل إزالة علم العراق من فوق نعش رئيس جمهورية العراق، فبهذه العقلية يريد بارزاني أن يؤسس دولته الكردية المستقلة ولذلك رفضتها.
ولو كان تأسيس هذه الدولة على يد نوشيروان مصطفى لكنت أكثر المتحمسين لها، لأن نوشيروان قال ذات مرة” إذا لم أستطع أن أغير أحوال شعبي نحو الرفاه والسعادة، فعلى الأقل أستطيع أن أعيش مثلهم”. فيما قال البارزاني شيخ العشيرة في رخضم جولاته الدعائية لتأسيس دولته المرتقبة” أنا سأشكل الدولة وليمت شعبي جوعا”.وبهذا جنت على نفسها براقش.