قوافل موتى
عبد الجبار الحمدي_قاص وكاتب
إنخرط الى جانب قافلته التي تسير مثقلة نعوش موتى، يئن كما تأن الثكلى، هاهو يُبيح لملاك الموت كورونا ان يجهر بالربوبية.. ساد الصمت قبل ان يركب صهوة الرهبة، أرتدى الوجه الذي يخيف من يتوجس أن الموت بعيد عنه… يزلزل الحياة من تحت اقدامه لم يستوعب مصطفى ان الحياة مجرد حبات رمل في بوتقات ساعة تنساب بصمت، تسرق الايام وقتها خلسة بلا صوت كما الموت حينما يأتي ليسرق الوقت قاطعا اللذة التي يشعر بها الزمن إنه فعلا هادم اللذات…
مصطفى شاب أحب وطنه، احب مهنته أكثر فألزم نفسه عهدا ان لا يفارق المستشفى الذي يعمل فيه ما دام هذا الوباء مستشري يزف في كل لحظة أو ساعة كواكب آدمية ما كان لها ان تأفل لولا حقد جبروت عالم مليء يالفساد وهيمنة دول استعمرت الارض والإنسان جعلتهم مجرد دمى خشبية تحرك مصائرهم بخيوط المصالح الاقتصادية والسياسية، عاب على دولته تقصيرها في اداء واجبها نحو شعب رضع الويلات تلو الويلات بلاء أثر بلاء، سخط أزلي بعد ان افرغ آدم متعته بركله من الجنة لدنائة نفسه في عصيان خالق…
جريمة فعلها محلوق واحد عوقب عليها جميع الأجيال التي تلته، زادها بِلة قابيل الذي يتجدد بصور زعماء، رؤساء، قطاع طرق وشياطين، يدا بيد يهوذا الاخ الماجن ليوسف ذاك الذي راهن على ان يكون الفساد اكبر من صواع يوسف الذي أراد رد أخيه لنفسه فعاب العالم مصير فعله، كل شيء وارد..
يقول مصطفى للجثة المسجاة التي امامه فأنت ستذهب الى عالم يا صديقي لا تكن فيه العدالة عمياء، سترد على عدالة تمشط النواميس والنوايا ترفدك بالميزان الحق لا المزيف الذي تسرق فيه حياتنا على يد سلطة جائرة او حاكم أعور دجال… الغريب يا صديقي!! أننا نهذي أن ما سيأتي به الاعور الدجال افظع مما نحن فيه ونتناسى او نتغاضى ان الدجال يعيش في نواميسنا يغير صورة، يبيح، يقتل، يشرد، أو يصيب العالم بالوباء كما هو الآن، والاغرب!!!
أننا ننتظر المخلص، يا لنا من حثالة بشر.. نخاف ان نغير ما بأنفسنا ثم نحاول ان ندع غيرنا يغيرها لنا… لا ادري؟! لقد تعلمت في هذه الفترة ما لم أقرأه في كتب العلم والطب وغيرها.. توصلت الى قناعة أننا مجرد جذم لنار المصالح نعيش ونعمر ونظن اننا نشعر بالسعادة لكننا في الحقيقة نمزجها بالبؤس والغصة فهنا من يترقب ورودنا حيث الهاوية التي رسم…
زعماء من ورق هم زعماء العرب اقول لك ذلك كي توصل رسالتي الى جميع الاموات اننا في الأثر ولا يحزنوا على ما فاتهم… فنحن أمة كتبت على نفسها الخيانة نتلبس الورع كذبا وبهتانا، نعبد الله شكلا لا مضمونا، نبيع ونشتري الكذب والنفاق اساور من ذهب، نلبس المواثيق الشيطانية تيجان… نعلق افعالنا الحقيرة اوسمة ونياشين، جهلنا صار حضارتنا، خوفنا صار ديدننا الذي نلوكه كعلكة مُرّة نريح معدة اتخمت من كثرة تراهات وغثاء عفن،
لم يكن مصطفى طبيبا عاديا إنه طبيب حاز على حب الناس ذلك الوسام الذي لا يمكن لأي حاكم سلطة او زعيم ان يتقلده او يُقلده لأي إنسان، ترك لكورونا ان تراقب افعاله وهو يدور كالنحلة بين هذا وذاك هذه وتلك .. أما صديقه الذي فارقه وسُرِقَ عنوة لقد فوض أمره بيد صاحب الامر…
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بعد يوم طويل مرهق للغاية، إستأذن ان يريح جسده من التعب، أن يترك لوحده لمدة نصف ساعة لا أكثر هكذا قال للطبيبة التي جاءت لأستلام ورديتها عنه… مدد جسمه على سرير للكشف في غرفته بعد أن اطفأ النور اسلمت جفونه لثقل أجبرها ان تغلق ضياءها… شعر انه سجين داخل نعش يطرق على جوانبه يصرخ هل هناك من يسمعني؟! إني أنا د. مصطفى لم أمت بعد ارجوكم كفو عن المزاح اخرجوني من هنا الظلمة حالكة والمكان خانق ضيق…
شيء ما جثى على صدره مد أصابعه ليخنقه بقسوة وهو يهمس تريد الخروج أليس كذلك؟ لقد حانت ساعتك فلا مناص من أخذ روحك، سعيت أراك بين يدي أنا شيطان كورونا الذي يجوب العالم بأنفاسه…. ربما أشعر بالأسى عليك لكن الذنب ليس ذنبي أنتم بنو الإنسان تسعون الى الموت بما تصنعون وما دوري إلا تنفيذ مهامة هههههه… لا عليك هو المضحك لي المبكي لك…
ستتجاوز إنها لحظة صعبة لكن فيها نهاية وجودك، ستؤول حيث الراحة الابدية… صدقني إن وجودك في هذه الدنيا حرام على من تكون معهم، إنك خسارة فهم أجلاف الصحراء وقطاع الطرق في الغرب والشرق في الجنوب والشمال مالك لا تفقه القول!؟ هي طرفة عين فكل ما تحيونه طرفة عين، ها انت ما ن اغمضت طرفك حتى صرت في عالم الموتي أوليس هذا جميل؟؟
لم تريد الحياة وانت تشعر بغصتها؟ لم تريد ان تساعد الآخرين وهناك من يطعنهم من الخلف؟ لم تريد العيش في عالم الغاب والفساد؟ كن مشاهدا فقط هذا هو عالم الموتي يجعلك مشاهدا نهم لا تفتر ابدا عن الشكر والحمد… مهامك يا مصطفى قد انتهت..
شعر مصطفى بأن لا عودة لميت، شعر بذلك عندما جاء الى قربه صديقه الذي كان يحدثه قبل قليل.. يا لها من مصادفة ههههههه كنت قبل قليل تحدثنى عن العالم الذي فارقت وها انت تفارقه، لا عليك هيا ننضم معا الى تلك الجموع الطويلة …
مصطفى: ياه ما هذ الطوابير يا عادل؟
عادل: إنه طوابير القوافل… قوافل الموتي يا صديقي.