قمة بغداد وتسفاليا الشرق الأوسط الجديد
قمة بغداد وتسفاليا الشرق الأوسط الجديد _ مازن صاحب
من المقرر ان تنعقد في بغداد قمة دول الجوار القريب والبعيد، بمشاركة اغلب دول الجوار العراقي الجغرافي والعربي بحضور دولي لافت تشارك فيه فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ناهيك عن منظمات دولية امنية مثل الناتو واقتصادية مثل البنك الدولي، السؤال المطروح لماذا هذا التوقيت بالذات وما الأغراض التي تستهدفها هذه المشاركة الإقليمية والدولية ، بغياب سورية ولبنان وإسرائيل ؟؟للإجابة على هذه التساؤلات لابد من التوقف عند معطيات واقعية محددة تتجسد في تطورات الواقع الاقتصادي في ظهور اكبر حقول للغاز والنفط في شرق البحر المتوسط ، وتكالب الدول والشركات الكبرى على إمكانيات مفتوحة في استثمار هذه الحقول وامداد الغاز لاوربا بالإضافة الى الغاز العراقي والخليجي عبر منظومة انابيب جديدة تمر بالأردن ومنه الى ميناء اشدود الإسرائيلي او الى ميناء السويس وهناك مدن اقتصادية عائمة قبالة السواحل المصرية لأغراض هذه الاستثمارات الجديدة بتمويل خليجي لاسيما سعودي اماراتي مقابل دخول الصين على الخط وقيامها ببناء اكبر ميناء لهذه الأغراض في اشدود ، ففي عام 2010 ، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن منطقة حوض شرق البحر الأبيض المتوسط ??يمكن أن تحتوي على حوالي 3.5 تريليون متر مكعب من الغاز و 1.7 مليار برميل من النفط. كان هذا قبل دراسات لاحقة في عام 2017 أشارت إلى اكتشاف أكثر من ثلاثة تريليونات متر مكعب من الغاز في المنطقة، مع احتمال زيادة هذه الاكتشافات بمقدار ثلاثة أضعاف. فما بقي في القوس منزع لتتحول جغرافية الفوائد الاقتصادية الى جغرافية تسويات كبرى كما حصل في اجتماعات مدينة “وتيسفاليا” أواسط القرن السابع عشر “1648م” لوضع الحدود وبناء السلام بين امراء الممالك الاوربية المتقاتلة فيما عرف بعصر الحرب المظلمة، وهنا يطرح السؤال اللاحق، هل ثمة موافقة على التعامل مع الوقائع من دون مدخلات ايدولوجية لاسيما للتسوية ما بين ايران وإسرائيل؟؟اعتقد الإجابة تتسع الكثير من المدخلات والمخرجات لكن مرتكز المناقشات في هذه القمة ستكون “استطلاعية ” تفتح الحوارات متعددة الأطراف وتجلس الأطراف اما على طاولة التفاوض المباشر او التفاوض بالوكالة، فيما أحاول تأطير الاجابات حسب الدول، وفي هذا يمكن القول:أولا: العراقاجد ان محاولة المرحوم نوري السعيد عقد حلف بغداد الذي عرف بحلف السنتو وكان احد ابرز أسباب سقوط النظام الملكي كانت قراءة لجغرافية المصالح واليات للحفاظ على مصلحة العراق الوطنية ، فيما قرات من اطراف متعددة انها تهدد المد الشيوعي نحو المنطقة او محاولة لمواجهة المد القومي ، اليوم الحالة مختلفة في مواجهة المد الإسلامي بعناوين مختلفة ابرزها الإسلام الجهادي ويقع العراق في منطقة الاختيار والاختبار مرة أخرى، ان يكون ضمن خط المصالح الاقتصادية الكبرى ام يرسخ منظور الخط الإسلامي الجهادي بمفهومي التكليف الشرعي للبيعة والتقليد ، والقوى الماسكة الأرض بالسلاح داخل القوالات المسلحة الرسمية وخارجها منقسمة ما بين مواقف كردية معلنة ومواقف سنية اقرب الى الإفصاح مقابل مواقف شيعية خجولة من الخروج الى مساحة المصالح الاقتصادية ، فيما تلتزم قوى محور المقاومة الإسلامية ، بمنهج واضح للقتال الجهادي ضد إسرائيل ، وسبق وان نشرت عددا من المقالات عن تلك السياسات التي نفذت بالأفعال وردود الأفعال للحلول “الوقحة ” ضمن منهج طبق ما بعد احتلال الأمريكي عنوانه ” محو العراق ” وتوليد عراق اخر يغادر المواقف الإسلامية ويتفق مع النسق الدولي للمصالح الاقتصادية .لذلك منح العراق هذه الفرصة ليكون مقرا لهذا المؤتمر ، تعني إشارة دولية واضحة لأهمية دوره المستقبلي ما بين حرب أهلية تنهي صفحات ” محو العراق ” وتوليد قسري لعراق جديد او ان يبحث العراقيـــــــــون عن “حلول غير وقحة” !!ثانيا : ايران ومحور المقاومة الإسلاميةتبقى ايران تفضل موقف ايران الدولة على مواقف ايران الثورة ، فاذا كان كيسنجر قد تساءل عما اذا كانت ايران دولة ام قضية ، فان المرحلة المقبلة من المفاوضات على ملفها النووي ستجعل متطلبات الدولة تتقدم على مطالب الثورة ، وينعكس ذلك كليا على محور المقاومة الإسلامية ، سواء اكان في العراق او لبنان او اليمن لذلك شاركت ايران في مباحثات طالبان مع إدارة الرئيس ترامب في وقت كانت العلاقات بين واشنطن وطهران في اصعب اوقاتها، لان ايران الدولة تتعامل بعقلية تاجر السجاد العتيق فيما تبقى خطابات الثورة للتصدير العقائدي والتوظيف الإقليمي والدولي، ربما هناك الكثير من سيتهم هذه الكلمات بانها ضد ايران، جوابي العكس تماما ، ايران تبحث عن فرص لفرضيات تفجير اول قنبلة نووية شيعية وسيكون هذا المؤتمر فرصة متواترة لإعادة طرح أهمية الدور الاستراتيجي لإيران في الشرق الأوسط الجديد ،ربما سيكون لها مواقف أخرى للتفاهم مع إسرائيل لكن هذه المرة بواسطة الصين ناهيك عن تلك التفاهمات التي سبق وان جرت من خلال مؤسسات اوربية لاسيما فرنسية والمانية ، ناهيك عن إمكانية توظيف الدور الاماراتي الطموح في لعب دور الوسيط الإقليمي الجديد .ثالثا: محور مجلس التعاون الخليجييتفق هذا المحور على المصالح الاقتصادية ويختلف على العلاقات الثنائية ، واذا كانت القمة الأخيرة لمجلس التعاون الخلجي قد انتهت الى تصالح مع دولة قطر ، فان المرحلة المقبلة تتطلب فهما اخر لخارطة انابيب الغاز المتجهة نحو أوروبا ، وهناك طموحات سعودية امارتية كويتية في ان يكون هذا الخط عبر جيهان مقابل الطموح الإسرائيلي المصري ان يكون هذا الخط عبر قبرص واليونان، لذلك لم تكن صفقة اتفاقات إبراهيم للسلام الرسمي مع إسرائيل خارج مدخلات هذا المشروع الذي سيكون احد أسس رؤية 2030 السعودية ، واحد اكبر الاستثمارات الخليجية في ما يعرف باحتياطات الأجيال المقبلة .رابعا: إسرائيلسيكون على إسرائيل الرضا بحل الدولتين ، وهناك مقالات عديدة نشرتها الصحف الإسرائيلية بأقلام صهاينة متشددين يزعمون ان هذه الصفقة ستكون على حساب مستقبل الصهيونية العالمية ومستقبل يهودية إسرائيل ، لكن واقع الحال الاقتصادي ووجود مقرات كبريات الشركات متعددة الجنسيات في إسرائيل لانتظار التوصل الى تسوية شاملة لإعلان بداية العمل بمشروع غاز شرق المتوسط ، يجعل الأحزاب الإسرائيلية والمجمع اليهودي يقفون على قدم واحدة ، فلا باستطاعتهم رفض حبهم للمال وحاجتهم للدعم من الشركات متعددة الجنسيات من جهة ولا هم باستطاعتهم الإيفاء بالتزاماتهم بحل الدولتين، نعم ستكون هناك دولة فلسطين مقابل دولة إسرائيل لكنها بالتأكيد ستكون تحت حماية إقليمية ودولية ، ناهيك عن فرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما يعرف بحدود الامن العميق على الأراضي الفلسطينية.خامسا : تركيا واليونانلابد ان تتوصل تركيا واليونان البلدين الذين لم يشهد عقد من الزمان صفاء الأجواء السياسية بينهما الى تسوية حقيقية لتقاسم النفوذ على الجرف القاري لكل منهما وأيضا التوصل الى فهم اخر ما بين نموذج الامة الإسلامية التركية وتدخلها في ليبيا على سبيل المثال وبين الفهم الأوربي لحماية اليونان من محاولات العدوان التركي، ستكون تركيا حاضرة في اعمال القمة المقبلة، وأيضا ستحاول استطلاع المواقف وفهم المتغيرات ، فالدراسات والجداول الإحصائية لفوائد مشروع غاز شرق المتوسط باتت على خطوة نحو التنفيذ الفعلي وعليها ان تحافظ على الجزء المطلوب من كعكة الأرباح .محاور انابيب نقل الغازفي ضوء كما تقدم يبدو من الممكن القول:تعد قمة بغداد لدول الجوار استطلاع واقعي لابد من قراءة ما بين أسطر الكلمات والتصريحات والتسريبات التي ستحصل خلال القمة وما بعدها.لن تنجح القمة للتوصل الى حلول نهائية لمشاكل الشرق الأوسط القديم، لكنها تحاول ان ترسم ملامح الشرق الأوسطالجديد.ليس هناك ثوابت عقائدية ما بعد اعمال هذه القمة، فالقطار الذي يريد ان يركبه المستفيد، سيكون حصيلة تصالح أصحاب المصلحة الاستراتيجية في استثمارات الغاز في الشرق الأوسط القديم وشرق المتوسط، وسيكون لهذا القطار محطات في محطات انابيب الدفع نحو دول الاتحاد الأوربي، ومن يفرض سيطرته على مسارات هذه الانابيب ستكون له الغلبة خلال العقود الثلاثة المقبلة وربما ما بعدها.على اهل الحل والعقد في عراق اليوم فهم “لعبة الأمم ” الجديدة، فالعراق يبقى دولة أسست باتفاقيات دولية، وانتهى احد هذه الاتفاقات بعد مائة عام، لكن قرارات مجلس الامن الدولي ما بعد الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني، كل منهم يرسم معالم عراق جديد ما زال مجرد حالة مخاض للانتقال من حالة ” اللادولة ” الى ” بناء الدولة “…… ويبقى من القول لله في خلقه شؤون !!