قطعة بحجم علبة الكبريت
د. فاتح عبدالسلام
قطعة واحدة صغيرة بحجم علبة الكبريت وأحياناً أصغر منها عليها ذاكرة الكترونية لها خاصية توجيه الايعازات، بات مصير شركات صناعية عملاقة للسيارات والماكنات الكبيرة مُتوقفاً عليها، وهي قطعة صعبة المنال اليوم، وينتج اغلبية الإنتاج العالمي منها حصراً شركات في تايوان وكوريا الجنوبية ،وقليل جداً في الصين ثمّ بقية العالم. شركات السيارات خفّضت انتاجها بالرغم من ان طوابير السيارات لديها تمتد على مدى البصر لكنها كقطعة حديد لا نفع فيها من دون تلك القطعة الوحيدة ذات الأهمية الحاسمة في حياة اية سيارة حديثة. هذه الأزمة هي نتاج جائحة كورونا وما ترتب عليها من إيقاف مصانع وتسريح أيدي عاملة وزيادة كلفة الشحن والتوزيع. هذا العالم الموغل في تقدمه، صحا ذات صباح ليواجه أزمة عظيمة ليس له ازاءها بديل سوى الوقوف في الطابور في انتظار انتاج المصانع القليلة لهذه الجوهرة الالكترونية. وهناك أزمات أخرى من أثر الجائحة تنمو تدريجياً في الإنتاج العالمي لكثير من البضائع ذات الاستخدام الضروري. عندما نسمع شعارات بعض السياسيين أو المسؤولين في بلدنا الغني بالموارد الطبيعية الثمينة كالنفط والغاز وسواهما، تذهب الى الدعوة لتنويع الدخل الوطني وعدم الاعتماد على أحادية الايراد النفطي، ثم نقارن تلك الشعارات مع معطيات وانجازات البحث العلمي الجديد، ندرك انها شعارات ينطق بها أناس يهرفون مما لا يعرفون. العقلية الاستراتيجية في الانتقال من مرحلة النفط الى البدائل الحقيقية، تكون من خلال نمو تصنيع التكنولوجيا وتوسيع نطاق استخدامها في البلد، ولعل الامل سنعقد اذا بدأنا بخطوات تجميعية بالتعاون مع العمالقة من الدول والشركات، حتى يبين الخيط الأسود ومن الخيط الأبيض في هذا الزمن الظلامي عندنا. وهذا يحتاج الى خطط دولة ثابتة لا حكومات متشرذمة بيعت حقائبها الوزارية قبل التشكيل. لننظر الى ما تشهده السعودية في مدينة ” نيوم” وهي تستعد للانتقال الكبير لأبعد من عالم الطاقة التقليدية، حيث ترسم هناك خارطة تجديد البلد النفطي من الالف الى الياء. أعرف ان لا احد يسمع ما نقول، والذي يسمع يسخر يائساً من وجود استجابة لنقاش نوعي استراتيجي خارج مستنقع المناصب والامتيازات والمحاصصات. لكنّنا لا نيأس لموجة التجهيل الطاغية، لأنّ القدرات الكامنة في العراق ستخرج يوماً.