قرار الإتحادية العليا .. والتشريعات المالية
قرار الإتحادية العليا .. والتشريعات المالية – احمد طلال عبد الحميد البدري
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها التفسيري المرقم (121/ اتحادية /2022) ي 15/5/2022 الذي تضمن تفسيراً لعبارة ( الامور اليومية ) الواردة في المادة (64/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بناء على طلب وارد من رئيس الجمهورية بسبب نية الحكومة الحالية التي تحولت الى حكومة تصريف الاعمال نتيجه حل مجلس نواب وانتخاب الجديد بموجب الانتخابات النيابية التي جرت بتأريخ 10/10/2021 بتقديم مشروع قانون (الدعم الطارىء للامن الغذائي) ، حيث خلصت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها سابق الذكر الى ان حكومة تصريف الامور اليومية ليس من مهامها اقتراح مشاريع القوانين ، حيث جاء في حيثيات قرارها سابق الذكر مانصه ( … وعليه ولكل ماتقدم فأن المحكمة الاتحادية العليا توصلت الى التفسير الاتي : ان حكومة تصريف الامور اليومية تعني بأنها تلك الحكومة المتحولة من حكومة طبيعية بكامل الصلاحيات الى حكومة محدودة الصلاحيات ويتحقق ذلك بحالتين ، الاولى بسحب الثقه من رئيس مجلس الوزراء الى حين تأليف مجلس وزراء جديد استناداً لاحكام المادة (61/ثامناً/أ،ب،ج، د) ، والثانية عند حل مجلس النواب وفقاً لما جاء في المادة (64/اولاً) من الدستور وفي كلتا الحالتين يعد مجلس الوزراء مستقيلاً ويواصل تصريف الامور اليومية التي تتضمن اتخاذ القرارات والاجراءات التي من شأنها استمرار عمل سير المرافق العامة بانتظام وديمومة استمرار تقديم الخدمات للشعب ولايدخل بضمنها القرارات التي تنطوي على اسباب ودوافع سياسية ذات تأثير كبير على مستقبل العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولايدخل بضمنها اقتراح مشاريع القوانين وعقد القروض او التعيين بالمناصب العليا للدولة او الاعفاء منها او اعادة هيكلية الوزارات والدوائر …) ، وقد اثار هذا القرار تحفظ وزارة المالية باعتباره وفقاً لتحفظها قد اوقف صلاحية الحكومة في اقتراح مشروع الموازنة لعام 2022 وما يترتب على ذلك من اثار اقتصادية سلبية في ظل الازمة الغذائية العالمية المتوقعة ، ولنا على هذا الموضوع التعليق الاتي :1- بهذا التفسير اخذت المحكمة الاتحادية العليا بالاتجاه الذي يضيق من نطاق صلاحيات حكومة تصريف الاعمال التي تقوم على اساس فكرة ان اختصاصات الحكومة تدور اتساعاً وانحساراً مع توفر ثقة البرلمان في هذه الحكومة ، ومن الطبيعي تنحسر هذه الصلاحيات عند حل البرلمان المانح ثقته للحكومة لتقتصر صلاحياتها على تمشية الامور اليومية دون اتخاذ القرارات المصيرية واخذت بفكرة (تسيير المرافق العامة ) فقط ، في حين ان حكومة تصريف الاعمال الجارية او اليومية لاتشمل الامور الجارية وانما تشمل ايضاً الامور المستعجلة الغير قابلة للتأجيل الى الحكومة اللاحقه الممنوحة ثقه البرلمان ، ومما تجدر الاشاره اليه ان وزير العدل الفرنسي (موريس فور) قد اجتهد في معرض اجابته على سؤال احد اعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي ( ميشيل دوبره ) عن معنى حكومة تصريف الاعمال بانها لاتقتصر على الامور والقضايا الثانونية والفرعية وانما تشمل الامور التي تتطلب حالة الاستعجال مواجهتها لانها ان لم تعالجها لاتوجد جهة اخرى يمكن معالجتها انياً ، ومن المؤكد ان اضافة حالة الاستعجال توسع من نطاق عمل حكومة تصريف الاعمال ، وتكييف حالة الاستعجال امر نسبي قابل للشد والجذب .2- نتوقع ان احد اسباب اخذ المحكمة الاتحادية العليا بالتفسير الضيق لحكومة تصريف الاعمال ، هو اللغط الذي اثير في الاوساط الاعلامية والرأي العام عن شبهات الفساد التي تحوم حول بعض النصوص التي تضمنها مشروع قانون ( الدعم الطارىء للامن الغذائي ) ، في ظل وفرة مالية ناجمة عن ارتفاع اسعار النفط بسبب الحرب الروسية في اوكرانيا ، وقد زامن ذلك تأخر تشكيل الحكومة المنبثقة من رحم البرلمان المنتخب بسبب التجاذبات السياسية التي حالت دون تشكيلها ولغاية صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا المنوه عنه ، ولاشك ان القضاء الدستوري كالكائن الحي يتأثر بالواقع والظروف المحيطه به ومنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي النهاية نرى ان دوافع المحكمة الاتحادية العليا كانت سامية.3- ان تفسير المحكمة الاتحادية العليا اوقف المبادرة التشريعية الحكومية في اقتراح القوانين المنصوص عليها في المادة ( 60/اولاً) من دستور جمهورية العراق بالنسبة لحكومة تصريف الاعمال ، الا ان المبادرة التشريعية لمجلس النواب المنتخب لازالت فاعلة استناداً للمادة (61/ اولاً ) الدستور التي نصت على الاختصاص الاصيل لمجلس النواب في تشريع القوانين الاتحادية ، وهذا معناه ان مجلس النواب بامكانه التحرك لسن التشريعات الاتحادية ، الا ان موضوع التشريعات المالية وتحديداً قانون الموازنة العامة الاتحادية يصطدم بقرار سابق للمحكمة الاتحادية العليا المرقم (21/اتحادية/اعلام/2015) وموحدتها (29/اتحادية/اعلام/2015) في 14/4/2015 الذي اشترطت فيه ان يكون اختصاص مجلس النواب الاصيل في تشريع القوانين الاتحادية غير ماساً بمبدأ الفصل بين السلطات او من شأنها ترتيب التزامات مالية على السلطة التنفيذية غير مدرجة في خططها او موازنتها المالية دون التشاور معها او اخذ موافقتها ، كما يجب ان لاتكون ماسة بمهام السلطة القضائية دون التشاور معها ، وهذا يقتضي وجود موازنة مقره مسبقاً وان اقرار الموازنة يجب ان يكون باقتراح من الحكومة الممنوحة للثقه باعتبارها صاحبة الاختصاص في اعداد مشروع الموازنه العامة والحساب الختامي وخطط التنمية استناداً للمادة (80/ رابعاً) من الدستور ، وحيث ان حكومة تصريف الاعمال لاتملك هذا الاختصاص استناداً للقرار التفسيري للمحكمة الاتحادية العليا ، واستناداً للمادة (42/اولاً) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 فانها لاتملك تقديم مشروع قانون الموازنه ، كذلك لايملك مجلس النواب تشريع قانون بديل لقانون الموازنة لان ذلك يقتضي التشاور مع الحكومة لضمان عدم تعارض هذا القانون مع موازنتها وبرنامجها وفقاً لقرار الاتحادية المرقم (21/ اتحادية /2015) في 14/4/2015 سابق الذكر .4- وحيث ان الوضع الاقتصادي الطارىء يتطلب معالجة هذه الازمة في ظل كل ماتقدم فأننا نرى بوجوب قيام مجلس النواب باعتباره السلطة الشرعية المنتخبة بسن قانون يفوض حكومة تصريف الاعمال الحالية اعداد مسودة قانون الموازنه الاتحادية لعام 2022 حصراً باعتبارها الجهة التي تملك البيانات والمعلومات المالية المتوافرة في وزارة المالية ومن ثم سن قانون الموازنة العامة الاتحادية من قبل مجلس النواب، وبذلك نضمن معالجة الازمة وعدم خرق الدستور وقرارات المحكمة الاتحـــــادية العليا… والله الموفق .