“قراءة ألف كتاب ضدّ دين، لا يُعطي ثمرةً بترك الدين، بقدر صفعة واحدة من شخص متديّن!”
الكاتب : علي وجيه
دوماً ما حاول بعضٌ منا، نحن العلمانيين المساكين في العراق، إيجاد منطقة مشتركة مع الخطاب الإسلامي، خصوصاً وأن بعضنا انحدر من خلفياتٍ إسلاميّة،
أو أنّ لا إشكال له مع الدين إلاّ في سياق الدولة، بل ودافعنا عن بعض المتبنّيات الدينية الإيجابية، وحقّ المرء بأشياء كثيرة، حتى المتداخلة منها في الفضاء العام، ورغم تعرّض هذا الخطاب إلى هجوماتٍ لم تتوقف أبداً، من متطرفيْ العلمانيين والإسلاميين على حدّ سواء، بقينا حتى فترة قريبة نكرر هذا الخطاب.
لكن الأمر ليس معركةً نظرية، تبقى في إطار الكتب والصحف والسوشيال ميديا، انسحبت هذه المعركة بعد أحداث تشرين إلى الأرض، مع انقلابة واحدٍ من أهم الذين ساعدونا في هذا الخطاب، وهو زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، من معسكر المشتركات، إلى معسكر الهجومات بداعي التهم نفسها التي استدعت دخوله في هذه المنطقة، قبل رجوعه إلى مربع 2006.
أن يتحدّث الصدر، الذي دعا لعدم الاعتداء على المثليين مثلاً (18/8/2018) إلى تسمية المتظاهرين بـ”الشرذمة الشاذين، من دواعش التمدّن والتحرر” (14/2/2020)، فهذا يشير إلى تراجعٍ كبيرٍ بمنطقة التفاهمات العلمانية – الإسلامية، المنطقة ذاتها التي تحالف معها الصدر في “سائرون” حين ضمّ أكبر حزب إشكاليّ في تعامله مع الدين، وهو “الحزب الشيوعي العراقي”، الذي كفّره بشكلٍ صحيح مرجع الطائفة الشيعية السيد محسن الحكيم في السبعينيات.
ليس الأمر متعلقاً برأي الصدر فحسب، وإنما ما يُمكن أن يثمر عنه هذا الخطاب، أمام جيلٍ شبابيّ ستكون صورة الدين الوحيدة التي في ذهنه، هي صورة مَن يهاجمه، ويقمعه، ويتجاوز على حرّيته، ويخلّف منه آلاف الضحايا، بين قتيلٍ وجريح ومُعتقل.
إن جرعة اللاخوف التي حظي بها هذا الجيل الشاب، لا تُشبهها جرعة، فطيلة أشهر في الساحات لم يكن هناك شيءٌ ليقف أمام وجه هذا الجيل، سوى المنطق، ووقوف هذا “الشيء” معهم أو لا، ولهذا فإن التظاهرات التي حملت شعارات واضحة ضد قادة إسلاميين عراقيين وفي المنطقة، استثنت أكبر ممثل دينيّ في العراق، وهو المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف ممثلّة بالسيد السيستاني، لوقوفه مع الاحتجاجات بشكلٍ واضح.
الثمرة المرّة لم تنضج بعد، وهو التطرّف العلماني الكفيل بتسميم تواجد الدين في الفضاء العام، الذي من شأنه أن يهدم المشترك حتى مع الدين الفطري الرائع الذي نُحبّ، أو كلّ علاقة مع الغيب، خصوصاً وأن آليات التعريف بالمقدس، من إعلام وكتابة ومنابر، هي ذاتها بالغالب مملوكة لذات الأحزاب التي ينتقدها هذا الشاب.
في حين يبدو أن هناك خطّاً للتوقف، فإن التطرف الإسلامي سيشجّع شبّاناً كثيرين، على “حرث” منطقة المقدس كلّها، ومهاجمتها، ولن تتوقف عند نقطة، مع مزاج غاضب، ومساحة واضحة للحريّة، تلك التي إن توقفت على الأرض، بسبب وجود مسلّحين إسلاميين متطرّفين، فلن تتوقف في السوشيال ميديا أبداً، وإن كان هناك استهداف للوجوه المعروفة، فستكون الصفحات المجهولة هي المُهاجِمة دون أن يصل لأصحابها أحد، بسبب تعذّر الخصوصية التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا التطرف العلماني الذي يسهم الإسلاميون برعايته بتصرفاتهم، ربّما يقدم ثماراً آنية في شيطنة التظاهرات، لكن هؤلاء لا يعرفون أنهم يغامرون بالمقدس كله، إيجابيّه وسلبيّه، قديمه وجديده، بسبب استهداف هؤلاء الشباب، ولا تنتظر من هذه المجاميع أن تبقى “مؤدبة” و”تراعي مشاعر الآخرين” ان استهدفتهم بالسكاكين، والكواتم، والإساءات والتخوين.
المنطقة المشتركة التي نتحدث عنها تضرّرت كبيراً بانقلابة الصدر على شركائه من العلمانيين المعتدلين، الذين يشعرون بضرورة وجود مناطق حوار مع الإسلاميين، والتاريخ يعلّمنا أن قراءة ألف كتاب ضدّ دين، لا يُعطي ثمرةً بترك الدين، بقدر صفعة واحدة من شخص متديّن!