قبل حلول شهر رمضان المبارك… نقول.
شاكر عبد موسى الساعدي / ميسان
قبل حلول شهر رمضان المبارك… نقول.
لي صديق يسافر معي أينما سافرت لاسيما إلى إيران البلد المحظوظ العراق بجواره للعراق كما يقول السيد رئيس الجمهورية الأستاذ برهم صالح أثناء استقباله للرئيس الإيراني يوم 11/آذار/2019.
هذا الصديق أو كما أسميه رفيق الدرب يأكل أكثر مني وبشراهة وينثر الطعام على المائدة وأحياناً على ملابسه , ويطلب طعاماً أكثر من حاجته ويتركني أتحاسب مع صاحبة أو صاحب المطعم بمبلغ كبير جداً , وكنت أوبخه على فعلته لأسباب منها أنه يرتدي الزى العربي، العقال والكوفية الذي يجب أن يعكس ثقافته العربية والأخلاق العالية في آداب الطعام التي أوصى بها الإسلام , والأخرى أنه كبير السن .
واليوم يتدافع الجميع على شراء المواد الغذائية عند سماعهم بالأزمات المحلية والعالمية كانخفاض أسعار النفط عالمياً أو جائحة كورونا , أو المناسبات الكبرى قبل وصول آجالها كشهر رمضان أو عيد الفطر المبارك أو حتى حلول المناسبات الدينية التي يجب أن تلهمهم الصبر والسلون وتدفعهم نحو الصوم والغفران بدلاً من الإسراف والخذلان لأبسط قيم حقوق الله والإنسان.
الجميع يتفق على أن الطعام من ضروريٌّات استمرار حياة البشر جميعاً شأنه شأن النوم وحاجات أخرى, التي يتحتم توفيرها وأخذها بعين الاعتبار في كل المجتمعات ، لكن أن تصبح ظاهرة الإسراف بالطعام عادة أو ثقافة لصيقة وظاهرة تتكرّر في كل مناسبة من مناسباتنا الاجتماعية والدينية ، وأي وقت نشاء ، ولازمة حاضرة في أي تجمع للأفراد والجماعات، حتى وإن كان المكان والزمان والمقام والمناسبة لا يتطلب ذلك فهذا يستدعي التساؤُل من قبلنا عن جدوى طلب الأموال من بعض الأشخاص والجماعات وهم يجوبون الإحياء الشعبية طلباً للتبرعات السخية في ظاهرة استجداء لم نعتدها من قبل.
لنأخذ أمثلة عن ظاهرة موائد الطعام التي انتشرت في الأعراس والمآتم والسفرات العائلية والشبابية والمُنتزهات والحدائق العامة والساحات ولا يستثنى من هذه الظاهرة لا الملاعب الرياضية ولا المتاحف ولا المكتبات ولا المؤسّسات الثقافية ولا المُؤتمرات الكبيرة ولا التجمعات الصغيرة، فالطعام حاضرٌ دائمًا مهما كان الحدث.
وليس العيب أن يأكل الأفراد و العوائل في المُنتزه بل مطلوب وضروري أن يكون في كل المُنتزهات والحدائق العامة أماكن خاصة للطعام والشراب الخفيف والصلاة وقضاء الحاجة، كما هو في الحال عند الجارة إيران مثلاً , أما حمل مستلزمات الطهي في المنتزهات وحتى المستشفيات بالحجم الذي صارت عليه الظاهرة فهو بلا شكّ يدعو للاستغراب، لمَ نترك البيت والمطبخ إذًا ؟ حتى أصبحنا نستمتع بالطعام في المستشفيات عند زيارتنا المرضى في زمن الكورنا .
وقسْ على ذلك المطاعم التي تخنق الأسواق والمجمعات التجارية والفضاءات الثقافية وانتشار خيم الإطعام في الاحتفالات والتظاهرات الثقافية والاقتصادية والرياضية فضلًا على العزومات ودعوات الأفراح وحتى لقاءات الأصحاب والخلان لا تخلو من الطعام أو لا تتم غالبًا إلا على موائد عامة وخاصة ، بل وصل الأمر إلى السياحة والسفر فلا يخلو إعلان من ذكر الأطعمة والأطباق الشهية أو توفر المطاعم والمقاهي والديسكوات البهية.
وعند أغلب السياح العراقيين يشكل الطعام أهمّ أولوياتهم بل حتى في توثيقهم للرحلات يركّزون كثيرًا وبشكل مفرط على الطعام والأطباق والمطاعم ويتجاوز اهتمامهم بالموروث الثقافي والحضاري والمعماري والاجتماعي ومعالم البلدان التي يزورون.
هل يعقل أن الأكل يسيطر على اهتمام وتفكير الكثيرين منا بدل القراءة والتثقيف الذاتي ؟ وهل هذه الظاهرة تدخل في إطار التقليد الأعمى لأجدادنا الأوائل ؟ ، أم أنها نتيجة حتمية لتحسن المستوى المعيشي للناس , أم أنها ميزة وظاهرة خاصة بعرب العراق الموغلين بعمقهم الصحراوي الذي لا يفارقهم منذ الصغر.
كاتب وأعلامي