قبل أن تلوموا اثيوبيا
د. فاتح عبدالسلام
قليلة هي المهمات الكبيرة التي واجهتها الجامعة العربية في دوراتها التي تبدو اليوم بديلا تنسيقيا عمليا للقمم العربية التي لم تُلغَ، ولكن وجوها مثل عدمه. في خلال عقد من الزمان لم تخض الجامعة سوى مواجهتين الأولى ضد طرف عربي حين انتزعت مقعد عضوية سوريا ومنحته للمعارضة شكليا في مطلع الحرب التي لم يكن للجامعة طوال اندلاعها واستمرارها عشر سنوات اية كلمة مؤثرة. والان هناك مواجهة مصرية وسودانية ضد مساعي اثيوبيا التي يقف خلفها الاتحاد الافريقي بوضوح وهي تقيم سد النهضة الذي باشرت فيه العام ٢٠١١ حين كان العالم العربي غارقا في انتفاضات ما يسمى بالربيع الذي انتهى الى هذا اليباب. والجامعة ليس لها التأثير مهما فعلت في تغيير موازين الصراع مع اثيوبيا في هذه الناحية المائية، إلا من خلال قرارات وإرادة نافذة لبعض الدول العربية التي قررت الوقوف الى جانب مصر والسودان، ولعل الموقف القطري بعد الموقف السعودي، هو الأوضح في المساندة بالرغم من التاريخ العدائي غير المبرر مطلقاً بين الدولتين طوال سنوات عدة. وهذا درس لا يفيد العرب منه دائماً الا بعد فوات الأوان، في ان الخلافات الثنائية يجب ان لا تكبر وتتحول الى صراعات وحروب إعلامية تصل الى حد الشيطنة والالغاء. العلامات الواضحة تشير الى ان اثيوبيا لن تتراجع عن مشروع يمثل كل ما تملك من ثروة في تاريخها المعاصر بعد انطفاء حقبة الحروب التي عاشتها واستنزفتها. وتحيل الخطوة الاثيوبية الى فوات الفرص على العرب واضاعتهم الوقت من دون التفكير بمشاريع مائية بالمتاح من الكميات التي بحوزتهم لتفادي أوقات الضيق التي قد تقود الى حروب هم في غنى عنها. وهذا الدرس لم يدركه العراق الذي يشكو النقص المائي بسبب السدود التركية والقطع الإيراني للأنهار، وانّ ما يهدره من مياه عذبة تصب في البحر يكفي في عشر سنوات لإقامة ثلاثة مشاريع مائية كبرى تكون جدار حماية في الامن المائي المخترق حالياً. علينا أن لا نلوم الاخرين، بعد أن نضيع الفرص ونغرق في التقاعس والإهمال والفساد والمعارك الجانبية التي أظهرت دولاً عربية كبيرة في موقف الهزال والضعف .