في بلد لن يهدي الله سياسييه إلا أن يزولوا بقرة وزريبة وبعض الحشائش للخلاص منكم
هادي جلو مرعي
يصاب المرء بصدمة بالغة حين يفارق صحراء قاحلة، ويجوب المرتفعات، ويستمر في السير مشيا لبعض الوقت أو في سيارة، ويتطلع بعينين شاردتين تلك الجبال الرواسخ، والسفوح المخضرة التي يمر خلالها مجار المياه الباردة العذبة، وتخللها الأزاهير والحشائش، وتعلو فيها الأشجار مونقة يانعة، فيها من الثمار مايطيب، ومن المناظر مايريح النفوس المتعبة والراغبة في سكينة ضيعتها في المكان الذي جاءت منه. يتطلع الراغب في الخلاص، وهو يتذكر ساسة العراق ومراهقاتهم الموغلة في السذاجة من أجل المال والمناصب والتفاهات الى تلك المناظر الممتدة مع الأفق، ويتخيلها تتسع لأحلامه في الهروب والوصول آمنا، فيختار منها موضعا على سفح جبل مخضر، بينما تبدو الثلوج كطلاء أبيض على رؤوس الجبال، وهناك يبدأ ببناء زريبة جوار منزل متواضع يضع فيها بقرة، أو بقرتين، ويختار مساحة ليزرعها بشجيرات وخضروات وفاكهة، ثم يوفر ضمانات لنفسه بدوام العيش بعيدا عن الضوضاء، ولايجد في محيطه أولئك المولعين بالخراب، ورمي النفايات في الشوارع، والراغبين بدوام الملك والسلطة والنفوذ، ولو بطريق الرهبة والتخويف والتهويل، وفي أحيان من خلال المال والمغريات التي تستهوي الفقراء والمحرومين، فتنهار سدودهم أمام سيل عرمرم من المظاهر التي سرعان ماتزول، وتنتهي، ولايعود لها من أثر سوى أثرها السيء الذي طبع حياة الناس وسلوكهم وأفكارهم، وحولهم الى مجموعات متنمرة بائسة، تحلم بالتغيير، والخروج من دائرة الهموم التي وضعت فيها رغما عنها. نريده عراقا مونقا جميلا منفتحا على المستقبل، يعيش ناسه في خير عميم، لايجدون من ينغص عليهم عيشهم الرغيد، ويعملون بجد وإجتهاد ليغيروا واقعهم الذي يعيشون ويتحملون أذاه وبلاياه، لكن سياسييهم مصرون على عنادهم ومطامعهم ورغباتهم وتعاليهم، وطمأنينتهم على مكاسبهم التي إستحوذوها بطرق شتى، وحرموا منها العوام من الناس الذين لم يحصلوا آلا على نزر يسير من مطالبهم بالعيش الطيب. البقرة وزريبتها، ومايحيط بها من خضرة وشجيرات بديل رائع لنمط حياة لايبدو فيه من الأمل الكثير، وفي بلاد لن يهدي الله سياسييه أبدا إلا أن يرحلوا غير مأسوف عليهم.