“فورين بوليسي” تكشف العوامل التي أدت لتغير موقف محمد بن سلمان من إيران
سلط موقع مجلة “فورين بوليسي” الضوء على تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الأخيرة بخصوص “إقامة علاقات جيدة مع إيران”، عازية ذلك إلى عدة عوامل.
وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، فإن أهم هذه الأسباب هو تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدا عن الشرق الأوسط، وأن الصراع في المنطقة أجبر قوى المنطقة على استكشاف دبلوماسيتها الخاصة، على عكس التوقعات القاتمة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، إذ لم تنفجر الفوضى بسبب الانسحابات العسكرية الوشيكة للولايات المتحدة من المنطقة، بدلا من ذلك، اندلعت الدبلوماسية الإقليمية.
وكانت تعليقات محمد بن سلمان على الأرجح إشارة إلى محادثات سرية بين إيران وجيرانها العرب (دول الخليج)، في العراق، والتي ذكرت لأول مرة في الفاينانشال تايمز، والتي كانت تهدف إلى تخفيف التوترات ووضع حد للحرب في اليمن.
وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، فإن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي لديه مصلحة واضحة في حل التوترات السعودية الإيرانية، يعمل على تسهيل المحادثات العربية الإيرانية.
وتبين فيما بعد أن قصة “الفاينانشيال تايمز” (لقاء سري سعودي -إيراني) ليست الوحيدة. إذ كشف موقع “Amwaj.media” الإخباري، ومقره بريطانيا، أن الحوار لم يقتصر على إيران والسعودية. بل عُقد الاجتماع الأول بين إيران والإمارات في يناير، تلته اجتماعات ضمت مسؤولين سعوديين وأردنيين ومصريين. وعقدت خمسة اجتماعات من هذا النوع على الأقل منذ بداية العام ، بحسب “Amwaj.media”.
بينما ركزت المحادثات السرية بشكل أساسي على الحرب في اليمن، فقد شملت أيضا الوضع في سوريا ولبنان. واشترك في المحادثات كبار المسؤولين الأمنيين في دول مختلفة، بما في ذلك لقاء بين قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، ورئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان.
من الواضح أن هذه المحادثات لا تزال في بدايتها، وهناك احتمال واضح بأنها قد تفشل في سد الفجوة بين إيران وخصومها العرب. ومع ذلك، تشير العديد من العوامل إلى قدرة هذه المحادثات على تغيير، ليس فقط مسار العلاقات السعودية الإيرانية، ولكن أيضا الوضع الأمني الأوسع في المنطقة.
وبناء على تقرير “Amwaj.media”، فإن المحادثات تضم العديد من القوى الإقليمية الأخرى، إلى جانب السعودية وإيران، بحيث أنها تشبه الحوار الإقليمي الذي تشتد الحاجة إليه، وليس مجرد محادثات ثنائية لنزع فتيل التوترات. إذ من المعروف أن الشرق الأوسط يفتقر إلى المؤسسات، بمعنى أنه يفتقر إلى أي نوع من التنظيم الإقليمي الشامل، أو المنتدى الذي يغذي ويهيكل حوارا متعدد الأطراف، بغرض الحد من التوترات، وخلق خيارات لخفض التصعيد، وإدارة انعدام الثقة.
أما السبب الثاني لهذا التغير المفاجئ، هو أن هذا الحوار الإقليمي بدأ من قبل القوى الإقليمية نفسها. كما تقوده الدول الإقليمية نفسها، أي أنه لم يُفرض عليهم من قبل قوى كبرى من خارج المنطقة، ولا تقوده دول خارجية.
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لم تساهم في هذه العملية، وفقا للمجلة.
ولفتت مجلة “فورين بوليسي” إلى أن من العوامل التي أجبرت الجهات الفاعلة في المنطقة على متابعة الدبلوماسية، هو وجود إشارات واضحة على نحو متزايد على أن الولايات المتحدة تنفصل عسكريا عن الشرق الأوسط.
فخلال الحملة الرئاسية لعام 2020، تعهد بايدن بسحب “الغالبية العظمى” من القوات الأمريكية من أفغانستان، وقطع المساعدات عن السعودية لحربها في اليمن، وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهي قرارات تتناسب تمامًا مع أجندة تقليص دور الولايات المتحدة في المنطقة.
وفي الواقع، بمجرد وصوله إلى الرئاسة، تحرك بايدن سريعا لإنهاء الدعم الأمريكي للجانب السعودي في الحرب في اليمن، وأبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعيدا، وأعلن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان، وبدأ مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
وكانت الرسالة الموجهة إلى القوى الإقليمية واضحة: الشرق الأوسط لا يمثل أولوية لإدارة بايدن. وكما قال مستشار بايدن غير الرسمي لموقع بوليتيكو: “إنهم يعملون بشكل هادف للغاية لعدم الانجرار إلى الشرق الأوسط”.
فبحسب المجلة فإن محور بايدن المنشود بعيدا عن الشرق الأوسط يعني أن خيار الولايات المتحدة هذا، على الأقل، أصبح غير موثوق به. لذلك وفجأة ، أصبحت الدبلوماسية الإقليمية الخيار لشركاء واشنطن في الشرق الأوسط.
هذا بالطبع لا يعني أن اندلاع الدبلوماسية الإقليمية هذا مقدر له أن ينجح. قد لا يكون ذلك جيدا. لكن مهمة إنجاحها ستقع في المقام الأول على عاتق القوى الإقليمية نفسها وليس على عاتق الولايات المتحدة. وهذا مكسب لكل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط.