فرحة العيد تفارق اهالي ضحايا تفجير مدينة الصدر شرق بغداد
عندما أرسل عماد جواد ابنه كيان وزوجته هدى إلى سوق الوحيلات في مدينة الصدر لشراء ثياب عيد الأضحى عصر الاثنين، لم يعلم أنها كانت المرة الأخيرة التي سيراهما، بعدما قضيا في التفجير الانتحاري الذي ضرب المكان.
جالساً في خيمة العزاء في مدينة الصدر حيث كان يتقبل التعازي بابنه البالغ 8 سنوات وزوجته، لم يتمكن عماد البالغ 41 عاماً ويعمل شرطياً من إخفاء دموعه فيما لفّ رأسه بكوفية بيضاء وسوداء.
لحظات البحث عنهما كانت قاسية، كما يروي لفرانس برس: “ذهبت إلى السوق أولاً عندما سمعت الخبر، من هناك إلى المستشفى. لم أجدهما في الطوارئ في اللحظات الأولى. ارتحت قليلاً. خشيت الذهاب لأسأل عنهما في ثلاجة الموتى بدايةً”.
لكن الكابوس الذي كان يخاف منه كان قد حصل فعلاً. ويضيف “توجهت بعد ذلك إلى الثلاجة سألت الموظفين في المستشفى عن كيان، لم يعرفه أحد ثمّ وصفته لهم فعرفوه”.
أما زوجته هدى فكانت مغطاة بالدماء، وكلاهما فارق الحياة في التفجير الذي اسفر عن مقتل 34 شخصاً آخرين على الأقلّ وتسبب بإصابة نحو خمسين بجروح، غالبيتهم من الأطفال. ويتابع لفرانس برس باكياً “غسلته بيدي. كان جسده مليئاً بالشظايا وخصوصا في بطنه وساقيه”.
جلس والد زوجة عماد إلى جانبه في خيمة العزاء في هذا الحيّ الشعبي والفقير الواقع في شرق العاصمة العراقية، ناظراً إلى صورة حفيده بشعره الأسود متوسطاً إخوته الآخرين علي وسرى وحوراء وملاك، وجميعهم لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات.
جلس علي إلى جانب والده بدون أن ينبس بكلمة، على وجهه امارات الصدمة والحزن، فيما كان ينظر إلى أبيه وهو يتحدّث عن شقيقه المتوفي. يوضح الأب أن كيان كان يحبّ أن يرتدي “ثيابا جديدة كلّ يوم من أيام العيد الأربعة”. لكن الآن “ألبسناه ثياب العيد لدفنه فيها” كما قال جدّه.
يضيف أبوه متحسراً “كيف سأعيش من دونه؟ كيف سأستمر في حياتي وعملي؟”.
-“ماتوا” –
في مستشفى الصدر العام، حيث نقل معظم الجرحى إثر الانفجار، تجلس نورس البالغة 25 عاماً منذ الصباح إلى جانب صابرين، ابنة عمتها التي أصيبت في التفجير.
إلا أن إصابتها ليس أسوأ ما ألّم بها، فالمرأة لا تعرف بعد أنها فقدت ابنتها آية البالغة 16 عاماً في التفجير.
تروي نورس “لم نكن نعرف أنهم كانوا في السوق، لقد ذهبت هي وابنها البالغ عاماً ونصف عام وابنتها لشراء ثياب العيد. الفتاة قضت على الفور، أما الطفل فتعرض لحروق كبيرة”.
وتضيف أن حالة والدة زوجها “الصحية سيئة، نخشى أن نخبرها أن ابنتها فارقت الحياة”.
كان هذا المستشفى الحكومي المتواضع الواقع في الحي الفقير أول من استقبل جرحى التفجير الصادم.
من هناك، روى طبيب الطوارئ علي فيصل نايف الذي يعمل في المستشفى منذ أربع سنوات أنهم بدأوا باستقبال حالات من الحروق والكسور وأخرى تتطلب تدخلاً جراحياً منذ نحو الساعة السادسة والنصف.
من بين الضحايا العديد من الأطفال لم يعش معظمهم أسوأ مراحل الحرب في بلد يعرف أزمات وعنفاً متواصلاً منذ أكثر من 40 عاماً.
ولم تمرّ ثلاث سنوات بعد على تخلص العراق من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية الذي تبنى التفجير وغالباً ما كان يلجأ إلى مثل هذا النوع من الهجمات. أما بغداد نفسها فلا تزال تشهد على تفجيرات عديدة قضى فيها آلاف الأشخاص خلال مرحلة العنف الطائفي بين عامي 2006 و2007.
يخبر الطبيب “أنا نفسي أعلنت وفاة طفلين، أحدهما يبلغ من العمر ست سنوات والآخر ثماني سنوات. قتلت كذلك طفلة تبلغ اربعة أشهر فقط”.
أما بشرى فقد فقدت اثنين من أولاد أختها، فتاة في الثالثة عشرة وصبي في الحادية عشرة. الثلاثة الباقون حالتهم خطرة جداً، كما قالت لفرانس برس من المستشفى.
وتروي تفاصيل تلك اللحظات المرعبة حين هرع أحد الأشقاء الخمسة إلى بيته القريب إثر الانفجار بعدما شاهد أجساد إخوته ترتفع في السماء. وتقول “ذهب أحدهم إلى البيت، كان محترقاً، سألته والدته ما بك؟ فأجابها: ماتوا” في إشارة إلى إخوته الأربعة.
كانت بشرى ترغب في خطبة إحدى الفتيات لابنها الذي كان جالساً قربها وعيناه دامعتان، لكن الفتاة التي لا يتجاوز عمرها 18 عاماً قابعة في سرير في المستشفى، بين الحياة والموت.