غابات عشوائية من الحجر
فاتح عبدالسلام
كنّا في سنوات بعيدة، نقترح عودة المباني العراقية الى استنباط الفن المعماري في بداية القرن العشرين كحد زمني مرئي وماثل للعيان وله آثاره الشاخصة، لكن كنّا نسمع مبررات منها انّ المدن اتخذت اشكال البناء الحديث منذ عقود، ولم يعد هناك إمكانية لقيام طراز معماري يبرز شخصية المكان في عمقه التاريخي، إلا إذا هدمنا مدينة ثمّ قمنا بإعادة بنائها. ومن سخرية الاقدار انَّ العراق، تحت ظرف الحرب، شهد انهدام مدن كاملة او أجزاء كبيرة منها، ومن ثمّ الشروع بإعادة بنائها.نريد أن نعرف كم هو الحيز المتاح للبناء وفق تراث المدن المعماري الاصيل في المساحات التي يُرام إعادة اعمارها اليوم في الموصل، مثلا، بوصفها الحاضرة الأكبر والاقدم بين المدن والبلدات التي شهدت الدمار تحت القنابل والصواريخ، وهناك مشاريع لإعادة البناء.ليس من المعقول، لاسيما في ظل وضع الموصل المتطلعة للنهوض من رماد الدمار بأي فرصة او ثمن ، ان ندعو الى قيام مبان جديدة سكنية او تجارية او حكومية على نهج العمارة التراثي في استخدام البناء بعقد القباب والمرمر الموصلي في تأطير النوافذ الخارجية والابواب والشرفات الخشبية أو المعدنية المطعمة بالخشب في الطوابق العليا من الأبنية، تلك التي تشبه الشناشيل الشهيرة في البصرة في الزمن السالف، لكن في الوقت ذاته هناك شوارع رئيسة مدمرة، يمكن اشتراط استنباط احد الاشكال التراثية في مزاوجة مع الوظائف الحديثة للعمارة، في تصميم المحال التجارية او المباني الحكومية فضلا عن المنازل التي تقع في اطلالتها، لا سيما على الشوارع العامة.هناك نُخب لامعة من المعماريين والفنانين العراقيين من الرسامين والنحاتين في داخل البلد وخارجه، يستطيعون بمساعدة قانونية من مجالس المحافظات أو حتى عبر تشريعات يقررها مجلس النوّاب، تقديم مخططات جديدة لعمارة المدن، من أجل أن يكون للمدينة العراقية وجه معروف مميز بعد أن هشمت صورتها الأبنية العشوائية والغابات المبعثرة من اسلاك ونقل الطاقة في غياب التيار الكهربائي النظامي.هذه الضرورة المعمارية، ليست خاصة بمدينة دون أخرى، فجميع المدن العراقية لها نكهات مستنبطة من الأرض والتاريخ والبشر عبر الازمان، ولا بد أن تراعى في رسم التكوين الذي يحتوي الانسان، ويكون صورة ناطقة ومتجانسة مع امتداداته في المكان . لكن لتكن لدينا بداية مع المتاح من المدن الخاضعة للتعمير اليوم.