عودة صحافة المقاهي
عودة صحافة المقاهيعدنان سمير دهيرب
يؤكد المهتمون بتاريخ الصحافة بمفهومها الحديث انها بدأت في القرن السابع عشر من خلال جمع المعلومات والاخبار والحكايات عن وقائع وحوادث تحصل في داخل المجتمع الانكليزي، الذي بدأت الصحف فيه من المقاهي وقد اتسمت بالشعبية.
فيما بدأت في امريكا من الحانات والبارات، ويذكر الكاتب الأمريكي بيل كوفاتش ان مالكي البارات يستضيفون أحاديث حماسية حول المعلومات من مسافرين كانوا في كثير من الاحيان يسجلون ما رأوه وسمعوه في دفاتر سجلات يحتفظ بها من الطرف البعيد من البار، وقد تطورت الصحف الاولى من هذه الاماكن عندما بدأ طابعون مبادرون بجمع الاخبار التي يتم الحصول عليها من السفن وحكايات من خارج البلاد وقدر أكبر من الثرثرة والآراء السياسية من المقاهي وطباعتها على الورق.
وتهدف لأشباع حاجات الانسان المعرفية واستكشاف المحيط الذي يعيش فيه ،لتنمية الوعي وحب الاطلاع لكل ما هو جديد وحاصل في الواقع من خلال المعلومات التي يحصل عليها بالوسائل المتاحة.وتعني المعلومة وفق المفهوم الاصطلاحي بأنها الحقائق والافكار التي تبادلها الناس في حياتهم العامة، ويكون ذلك التبادل عادة عبر وسائل الاتصال المختلفة في المجتمع، كما تعرف المعلومات على انها مجموعة من البيانات المنظمة والمتسعة بطريقة توليفية مناسبة بحيث تعطي معنى خاص ،وتركيبة متجانسة من الافكار والمفاهيم تمكن الانسان من الاستفادة منها في الوصول الى المعرفة .
ويذكر السيناتور الامريكي جون ماكين حين كان اسير حرب في فيتنام لأكثر من خمسة اعوام، ان أكثر ما افتقدته لم يكن ((لراحة او الطعام او الحرية او حتى عائلته واصدقائه، اكثر شيء افتقده كان المعلومات الوفيرة غير المشوهة وغير خاضعة للرقابة وحرة)).
معلومات يجب ان تتسم بالدقة والموضوعية والمصداقية وغيرها مما يمنح المتلقي الاحاطة والمعرفة وتشكيل اتجاهات الرأي حول القضايا التي تمس حياته ،تلك القضايا التي باتت تؤثر في استقرار وسلوك المرء إزائها.فالمعلومة لم تعد مجردة وسطحية بل غدت مؤثرة في رغباته وعمله وثقافته وتطلعاته في كيفية التعامل مع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية ونحو ذلك.غير ان الجمهور لا سيما في العراق مع تعدد وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد يبحث عن المعلومة الدقيقة والصحيحة ،بل بات يكتب بوصفه مواطناً صحفياً وينشر ما يسمعه في المقاهي والكازينوهات وأماكن العمل من معلومات مختلفة بعيدة في الغالب عن الدقة والمصداقية قريبة من الاشاعات والتضليل والكذب الذي يصدقه الجميع باستمرارية النشر والتكرار ويصبح تالياً قضية رأي عام وهذا الامر افضى الى اضطراب الرأي وتشويش الوعي الذي يعيش اصلاً في بيئة هشة.
ان وسائل التواصل الاجتماعي غدت واسعة الانتشار اذ يفوق استخدامها التعرض لوسائل الاعلام التقليدية مما أسهم بعودة صحافة المقاهي… لتقويض مهنة الصحافة وتحجيم دورها وتراجع وظائفها التي شيدت صرحها على أسس علمية استمرت اكثر من اربعة قرون قدمت فيها النظريات المتعددة والاسهامات الخلاقة والتضحيات الجسام لبناء مجتمعات واعية وانسان يتطلع الى الحرية والديمقراطية التي تعد الصحافة الحرة احد أركانها.