عن الإرهاب وضحاياه
عبد الحسين شعبان
ما زال الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثّل تحدّياً عالمياً، فهو يلحق أذى باقياً بالأفراد والأسر والمجتمعات المحلية، ويخلّف ندوباً عميقة قد تفتر مع مرور الوقت، ولكنها لا تختفي أبداً” هذا ما قاله أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلالهم المصادف في 21 أغسطس (آب) والذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 72/165 العام 2017 حيث يتم كل عام استذكار الضحايا الذين يحرمون من مقومات الحياة الطبيعية والإنسانية، من أمن واستقرار وطمأنينة، وذلك بسبب ما تعرّضوا له من أعمال إرهابية، الأمر الذي يستدعي الوقوف معهم للتخفيف من معاناتهم وتلبية احتياجاتهم وإسماع أصواتهم إلى العالم أجمع.
يمكن القول أن كل عنف إرهاب، وهذا الأخير ناجم عن التطرّف لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو دينية أو عنصرية أو فكرية أو لأسباب أخرى، والتطرف هو ابن التعصّب، فكلّ متطرّف بالضرورة هو متعصّب، وإذا ما صار التعصّب سلوكاً فإنه يصبح تطرّفاً، والتطرّف إذا ما انتقل إلى الفعل بهدف إلغاء الآخر أو إقصائه أو تهميشه أصبح عنفاً، وهذا الأخير يستهدف الضحية بذاتها ولذاتها، في حين إذا ضرب العنف عشوائياً ينتقل إلى دائرة الإرهاب ، وخصوصاً إذا كان عابراً للحدود، فسيصبح إرهاباً دولياً.
وإذا كانت القوانين الجنائية (الوطنية) تعاقب على أعمال العنف التي تستهدف الضحية المعلومة بالنسبة لمن يمارس العنف، فإن القوانين الدولية معنية بمحاسبة الأفراد أو الجهات أو المنظمات التي تقوم بممارسة الإرهاب ، بما فيها الحكومات، لأن الأفعال التي تنجم عن الإرهاب الدولي تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحروب، بما فيها جرائم العدوان التي تهدّد السلم والأمن الدوليين.
قرارات وتوصيات ومنذ العام 1963 والأمم المتحدة تتخذ العديد من القرارات والتوصيات الخاصة بالإرهاب والإرهاب الدولي، وقد صدر نحو 13 قراراً وإعلاناً لما قبل 11 سبتمبر (أيلول) العام 2001 وبعد جريمة تفجير برجي التجارة العالمية في الولايات المتحدة بعمل إرهابي راح ضحيته نحو 3000 إنسان، أصدرت الأمم المتحدة 3 قرارات دولية مهمة، لعل أخطرها هو القرار 1373 الصادر في 28 (أيلول) العام 2001 لأن ما تضمنه يعتبر عودة إلى قواعد القانون الدولي التقليدي، وخصوصاً إلى مفهوم “الحرب الاستباقية” أو “الوقائية” لمنع أي عمل إرهابي، بسبب احتمال وشيك الوقوع ضد دولة ما أو منشأة ما، وهو الأمر الذي أثار التباسات وزاد من موضوع تعريف الإرهاب تعقيداً، لاسيّما تحديد ماهيته وأشكاله وخلفياته الاجتماعية.
فقهاء القانون وما يزال تعريف الإرهاب الدولي يشغل العديد من فقهاء القانون الدولي المعنيين، خصوصاً وأن القرار 1390 الصادر في 16 (كانون الثاني) 2002 كان قد ذهب إلى اعتبار الدولة التي لم تشارك في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة شريكاً في الإرهاب، واستوجب اتخاذ عقوبات بحقها.
كما صدرت 4 قرارات دولية بعد احتلال تنظيم داعش للموصل وتمدّدها في نحو ثلث الأراضي العراقية (2014) إضافة إلى اعتبار ” الرقة” السورية عاصمة لدولة الخلافة؛ وإذا كانت هذه القرارات تصب في إطار “الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب”، إلّا أنها من جهة أخرى تثير أسئلة ما زالت لم تحسم حول مفهوم الإرهاب وتعريفه وأشكاله واستخداماته، كما أنها تغض النظر عن ما تقوم به ” إسرائيل” من أعمال إرهابية يومية بحق الفلسطينيين، وخصوصاً في عمليات الاستيطان في الضفة الغربية ، والتي تعتبر جرائم دولية ضد الإنسانية، لاسيّما محاولة تغيير الطابع الديموغرافي للأماكن المقدسة بما فيها القدس الشريف، إضافة إلى عدوانها المتكرر على قطاع غزة المحاصر منذ العام 2007.
ولذلك فإن الاحتفال بذكرى ضحايا الإرهاب أمرٌ في غاية الأهمية، إذْ أنهم غالباً ما يشعرون بالإهمال لمجرد تلاشي التأثير المباشر للهجمات الإرهابية، الأمر يستوجب من المجتمع الدولي والدول المتقدّمة والغنية بشكل خاص تخصيص الموارد والقدرات اللازمة لمساعدة الضحايا لكي يتعافوا بشكل كامل من آثار العمليات الإرهابية، ولكي يتم إعادة تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع (بالطبع من بقي منهم على قيد الحياة وكذلك أسرهم)، وذلك عبر عمل متراكم جسدياً ونفسياً واجتماعياً ومالياً ومعنوياً، ليتمكنوا من العيش بكرامة، فالعواقب المادية والنفسية والصحية والبيئية لا يمكن محوها بسهولة وستترك ندوباً خطيرة على الفرد والمجتمع.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد قامت ببعض المبادرات، فأصدرت قراراً برقم 68/276 في 13 (حزيران) 2014 أي بعد احتلال داعش للموصل واستكملته بعد تحريرها نهاية العام 2017 بإصدار قرار برقم 72/284 بتاريخ 26/6/2018 بتدقيق واستعراض إستراتيجيتها، فإن من واجب كل دولة ، إضافة إلى المجتمع الدولي أن يضع برنامجاً خاصاً طويل الأمد لمساعدة الضحايا، مثلما يقتضي توفير سبل الوقاية والحماية والتأهيل بالنسبة للضحايا، وقبل كل شيء توفير مستلزمات عيش كريم، خصوصاً لبلدان الجنوب، وذلك بإصلاح نظام العلاقات الدولية ليكون أقرب إلى العدالة.