“عنزة” الانتخابات التركية
حمزة مصطفى
فاز رجب طيب أردوغان مثلما هو متوقع, وخسر كولتشار أوغلو مثلما هو متوقع.
فوز أردوغان يكاد يكون بطعم “الخسارة” بين قوسين, وخسارة أوغلو كانت بطعم “الفوز” بين قوسين أيضا. الفائز الوحيد بلا قوسين تلك السيدة التي جلبت عنزتها معها الى صناديق الإقتراع في جولة الإعادة لكي لاتخسر صوتها مرة, ولكي تمارس حقها في الممارسة الديمقراطية مرة أخرى.
أما العنزة ذات الحركات الرشيقة وهي تلاحق سيدتها داخل مركز الاقتراع فقد نافست أردوغان ومنافسه كولتيشار على شاشات التلفزة التي توقفت عندها للحظات لتحظى في مقابل ذلك بأعداد كبيرة من المشاهدات. لاينطبق على “العنزة” القول المشهور المفلس بالقافلة أمين أو آمن في رواية أخرى, بل كانت وحدها الغنية لأنها لاتعرف مصير الليرة التركية بعد الفوز لأي من المرشحين قبل إغلاق الصناديق.
خرج الأتراك بنسبة تفوق الـ 90% لمرتين خلال شهر واحد لكي ينتخبوا رئيسا لهم. بالجولة الأولى التي جرت قبل نحو إسبوعين كان المتنافسون تياران لا شخوص. رجب طيب أرودغان وحده, وعدة منافسين من قوى وأحزاب توحدت كلها ضده. هناك من حاول تجريب حظه لوحده لا لكي يفوز بل لكي “يجيك” نفسه فقط. لم يبتسم الحظ في الجولة الأولى لا الى أردوغان الفائز السابق في كل الانتخابات منذ عام 2002 والى اليوم بلا جولة إعادة, ولا الى كولتيشار الذي أدمن الخسارة طوال كل تلك الدورات السابقة. إبتسم الحظ لشخصية جديدة ظهرت على مسرح الأحداث والتنافس مؤخرا سنان أوغلو. وحيث أن نسبة المشاركة الجماهيرية كانت هي الأمر الأكثر لفتا للنظر (أكثر من 90%) وهو أمر تكاد تركيا قد إنفردت به من بين معظم البلدان الديمقراطية حتى أكثرها عراقة, فإن النسب التي يحصل عليها المتنافسون هي الأهم من قواعد الفوز والخسارة التي تختتم بها المنافسات في النهائية.على صعيد النسب بالقياس الى المشاركة الجماهيرية فإن الخسائر الأول هو رجب طيب أردوغان الفائز في النهاية رئيسا لتركيا لدورة خامسة جديدة ولخمس سنوات قادمة.
بالمناسبة حزب أردوغان “العدالة والتنمية” بقي في الصدارة على مستوى الانتخابات البرلمانية التي جرت بكل سلاسة في الجولة الأولى. الفائز الأول كان هو سنان اوغلو مع إنه حصل على نحو 5% فقط من أصوات الناخبين بينما كانت نسبة اردوغان نحو 49 بالجولة الأولى و47 بالجولة الثانية.
الخاسر الثاني هو كولتيشار مع إنه وكل تحالفه حصل هذه المرة نسبة عالية (نحو 43%). لماذا هذه المعادلة التي ربما يختلف معي بشأنها الكثيرون؟ في إعتقادي أن أردوغان الفائز تراجعت أصوات فوزه الذي كان دائما كاسحا في كل الدورات السابقة.
وهذا مؤشر على إنه لم يعد يلعب بالساحة وحده برغم أن قوى المعارضة توحدت كلها تقريبا هذه المرة بالضد منه.
صحيح أن بقاء حزبه بالصدارة يؤكد إستمرار قوته وقوة حزبه لكن خسارته معاقل مهمة مثل إسطنبول التي إنطلق من بلديتها زعيما لتركيا تعني أن خط قافلة سيره لم تعد تسير على طريق حرير كالسابق. طبقا للعمر قد لايطمح أردوغان بأكثر من الولاية التي حصل عليها بشئ من شق الأنفس لكنه في النهاية لم يعد السلطان مثلما كان أيام عرسه السابقة.
سعى أردوغان في الآونة الأخيرة الى ترميم علاقاته الخارجية هنا أو هناك لكن أمامه تحديات في الداخل سوف لن تجعل رئاسته وقد ناف على السبعين مريحة لدواعي العمر والتحديات. أما منافسه الخاسر الدائم كولتيشار أوغلو فإن خسارته هذه المرة ليست كالمرات السابقة.
فالفارق بينه وبين أردوغان تقلص كثيرا. وهذا وحده مؤشر آخر يضع عقبات جديدة أمام أردوغان لكنه يضع علامات لا عقبات أمام قوى المعارضة التي توحدت مستغلة ثغرات كثيرة في حكم أردوغان, ومع ذلك لم تتمكن من هزيمته. تقليص الفارق لم يعد كافيا. هزيمة المعارضة الآن صارت أشبه بـ “فضيحة بجلاجل” بالقياس الى هفوات بل وأخطاء وربما خطايا أردوغان التي لم تتمكن المعارضة من إستغلالها.
أردوغان وهذه ميزة تحسب له لم يستغل السلطة إنتخابيا, فالإنتخابات كانت نزيهة. لا مفوضية يملأ أعضاؤها الفضائيات صراخا “من طلعتها لغيبتها” مبررين الأخطاء والكوارث, ولا صناديق نقلت من “مدري وين الى مدري وين” ولا حرقت ولا عد وفرز “مرة يدوي ومرة الكتروني” والنتائج لا تظهر الأ بعد شهور.
وبعد النتائج تبدأ الطعون وبعد الطعون التظاهرات وبعد التظاهرات يتعطل كل شيء ويتوقف تشكيل الحكومة.
في تركيا ظهرت النتائج في ساعتين. الأهم أن كولتيشار وكل أحزاب المعارضة الذين معه لا أحد منهم “جتي على باله” المحكمة الإتحادية.
بقي سنان أوغلو الحائز على لقب بيضة القبان. لكن ليس كل قبان قبان ولا كل بيضة بيضة.