عندما يكون الخلل والعلل في بنية التفكير
بقلم مهدي قاسم
عندما يتحدث شخص أوروبي عن موضوع ما وهو غير متأكد من حقيقته الكاملة تماما فيقول : أظن وأعتقد وأجزم والخ ، كإشارة إلى عدم التبني الموضوع أو الفكرة بشكل كامل ومطلق لكونه غير متأكد من مصداقية الفكرة أو الحدث ..في حين عندما يتحدث عربي أو مسلم عن عقيدة أو فكرة سياسية أو عن أي شيء آخر ، فهو يتحدث بيقين كامل ومطلق داعيا الناس إلى تبنيه ، كأنه قد جرّبه لسنوات طويلة ، أو اختبره في مختبر مع فريق من علماء أو مختصين على أسس علمية لا يطالها أي شيء أو ريب !!.
ربما السبب في ذلك يرجع إلى الوهم والسذاجة أو الاندفاع الحماسي والمبالغة عند البعض في النظر إلى الأمور ، قد يكون بنوايا حسنة :فالعقلية العربية عموما ــ مع احترامنا للاستثناءات ــ ذات ميول سريعة نحو المبالغة و الإطلاقية الحاسمة في تبني أو تقييم الأمور والمسائل المعينة لإعطائها حجما أكبر أو أصغر ، وذلك حسب المنظور المبدئي أو العقائدي الذي يتصورونه على أنه هو الصواب المطلق ، و من ثم دعوة الآخرين إلى تبنيه كنص مقدس ومشروع فريد نوعه في العالم !! ..طبعا ، مع معاداة من لا يقبل ذلك أو التنكيل المعنوي بمن لا ينخرط في الترويج له ..ربما من هنا كثرة التفرقة والانشقاق والاختلاف الكثير والتنازع بين فرد وآخر أو فئة داخل مجتمع واحد ، حتى على أبسط الأشياء والأمور واتفهها أيضا ، وغالبا ما يتطور الأمر ليصبح حزب واحد عدة أحزاب وتنظيمات تحمل نفس العقيدة الأيديولوجيا ،بدوافع التزعم أوالزعامة ، طبعا ، فضلا عن نزعة الهيمنة الفردية أو الجماعية ، معتقدا هذا أو ذاك وبقناعة عجيبة ولكن ساذجة جدا ، أنه عارف بكل شيء وأن مفتاح الحلول في جيبه وما على الآخرين إلا إفساح المجال له ليقوم بضربة عصا سحرية لفتح مغاليق كل الأزمات المتعصية والمشاكل العالقة أو المعقدة !!.وإذا بين ليلة وضحاها يصبح كل شيء محلولا ورائعا عظيما !!..فضمن هذا الإطار ياما سمعنا في عهد النظام السابق أحزابا ومعارضين يقولون وهو يلوّحون ببرنامجهم أو مشروعهم السياسي قائلين :ـــ آه لو كنا في الحكم لعملنا كذا وكذا بفعالية هذا المشروع أو البرنامج ولحققنا وطورنا والخ الخ ، وعندما أصبحوا في السلطة اتضح أنهم غير مؤهلين حتى ولا لإدارة معمل للدواجن ، ناهيك عن قيادة مؤسسة حكومية الأهلية..ولكن الأعجب وعلى الرغم من ذاك أن نلاحظ لا زال بعضا يعيش نفس الوهم وخداعة الذات حتى الآن ، نعني وهم خلط السياسة بالعقيدة على أمل إقامة دويلة على أسس دينية أو مذهبية صارمة ، في الوقت الذي انهارت فيه حتى دول ذات عقيدة إلحادية بحتة وصارمة بعدما فشلت في التنمية البشرية والاقتصادية والخدمية كدول المعسكر الاشتراكي ، مثلا وليس حصرا ..وأبسط دليل على قولنا هذا على صعيد تخلخل وأضطراب بنية التفكير عند هؤلاء البعض هو :أن كثيرا من عرب ومسلمين يصوّتون لصالح أحزاب إسلامية وطائفية بهدف إقامة نظام أو حكومة إسلامية عقائدية وبعد ذلك أما يهاجرون إلى الخارح أو يعيشون أصلا في دول اللجوء المرفهة لكونهم لا يطيقون صعوبة العيش المزري تحت حكم الإسلاميين الفاسدين والفاشلين ..أغلب الناس في العالم لم يعودوا بحاجة إلى دولة أو دويلات دينية و مذهبية أو قومية عنصرية ،إنما إلى دولة خدمات ومشاريع استثمارية وتنموية ومن خلال ذلك إلى فرص عمل وعيش كريم فحسب مع ضمان حرية الفرد في ممارسة قيمه الروحية أو هواياته الدنيوية بالطريقة التي يراها مناسبة له ، طبعا ، دون عرقلة أو الإخلال بمصالح الفرد أو الجماعة…