عندما تتصرف الحكومة كتاجر مخدرات
منقذ داغر
في معمعة الأزمات المتتالية التي تضرب العراق خلال الأشهر الماضية(فضائح فساد،انقطاع كهرباء،شحة مياه،معاقبة مصارف،الصعود الصاروخي للدولار) تخرج علينا حكومة السوداني بقرار أضافة عطلة رسمية جديدة ! وبدلاً من أن تخرج علينا الحكومة بخطة عمل تفاجئنا بمزيد من العُطَل وكأن ما لدينا منها لم يعد كافياً متناسيةً أن العراق يستطيع دخول موسوعة غينيس كأكثر بلدان العالم بالعطل الرسمية وشبه الرسمية. طبقاً لعدد من الدراسات المنشورة تتراوح أيام العطل الرسمية وشبه الرسمية بين 170-200 يوم في السنة تقدر كلفتها من حيث الرواتب فقط،ناهيك عما يسمى في الأقتصاد بكلف الفرص الضائعة،بحوالي 40 مليار دولار اي أكثر من ربع موازنة العراق الأنفجارية الأخيرة!
أما أذا أضفنا خسائر القطاع الخاص العراقي نتيجة هذه العطل فالرقم سيكون أعلى بكثير بالتأكيد.أن سلوك الحكومات العراقية المتعاقبة(وليست هذه الحكومة فقط) كان باستمرار ينزع نحو الهروب للأمام والحلول الشعبوية التخديرية. فالعقم الدائم وعدم قدرة تلك الحكومات على تحقيق أنجازات حقيقية دفعها نحو حلول شعبوية تخديرية،منها منح مزيد من العطل والتسيب في الدوام وتعيين ملايين من الموظفين حتى بات الأقتصاد العراقي رهين المحبسين: النفط والوظيفة العامة. والمشكلة الكبرى هي أن أسعار النفط متقلبة في حين أن الرواتب التي تستهلك 70-8 بالمئة من النفقات التشغيلية للحكومة ثابتة بل ومتصاعدة. فبعد أغراقها لمركب الوظيفة العامة بثمنمائة الف وظيفة جديدة تقريباً في الموازنة الجديدة هاهي الحكومة تتفنن في تخفيض مزيد من أنتاجية جيوش العاملين الحكوميين. وللمقارنة فقط فأن تعداد العراقيين تضاعف بمقدار مرتين منذ عام 2003 في حين أن أعداد الموظفين تضاعفت بمقدار خمس مرات خلال نفس المدة!
وفي الوقت الذي كان فيه العراق يوظف موظف عمومي واحد مقابل كل عشرين عراقي فأن هناك موظف واحد يقابل كل 8 عراقيين الآن! لقد أثبتت أحدى الدراسات التي قامت بها جامعة النهرين عام 2022 أن الموظف العراقي يعمل 17 دقيقة فقط كمعدل في يوم العمل الواحد! وأذا أحتسبنا أن 55-60 بالمئة من ايام السنة يكون فيها الموظف مجازاً،فهذا يعني أنه فعلياً يتقاضى أجره أو راتبه نظير 5 دقائق عمل فعلية يومياً!!ارقام مفزعةأعلم أنها أرقام مفزعة لكل من له ألمام بسيط بالأقتصاد لكن يبدو أن الحكومة لا تهمها الأنعكاسات الخطيرة لهذه المشكلة فزادت الغريق حملاً بقرارها الأخير. أن الأقتصاد العراقي بات مهدداً بالموت والفناء في الوقت الذي تستمر فيه حكوماتنا بسلوك تجار المخدرات في تعاملها مع شعبها!
فبدلاً من معالجة الأقتصاد من أدمان الوظيفة العامة وجعل العراقيين يرون سبل أخرى للعيش خارج أطار هذا المخدر نراها تزيد من جرعة المخدر لكي يشعر الموظف المدمن على الراحة بمزيد من الراحة والأنتعاش الكاذبَين فتعوض أخفاقاتها بمزيد من التخدير! لطالما ذكرت أن نقص الأنجاز لا يمكن تعويضه براحة الأعجاز،لكن هذا ما يحصل للأسف في العراق. لقد بات أستخدام الغطاء الديني مبرراً لمزيد من العطل مثل أستخدامه لتبرير مزيد من الممارسات السياسية والأدارية الخاطئة كالمحاصصة والأنفاق على دواوين الأوقاف التي يفترض أن تمول هي موازنة الدولة وليس العكس. تشكل العطل الدينية في العراق ثلثي العطل الرسمية والبالغة أكثر من 50 يوماً بحسب قانون العطل الرسمية العراقي.
هذا ناهيك عن المناسبات والعطل التي يقرر المحافظون منحها لمحافظاتهم لأسباب عدة بحسب قانون العطل العراقي!
والواقع لا أعلم ماذا أسمي شعباً يعطّل بحدود 60 بالمئة من أيام السنة ويعمل 40 بالمئة من أيامها فقط! كما لا أعلم وصفاً أكثر من تاجر مخدرات للحكومات التي تسمح بمثل هذا التخدير لشعبها!!