عقوبات الكمارك البديلة
الكاتبة : القاضية أريج خليل
اغلب التشريعات التي تأخذ بمفهوم العقوبة البديلة عرفت هذه العقوبة بأنها مجموعة من البدائل تتيح للقاضي امكانية اللجوء اليها بدل الحكم بالعقوبات السالبة للحرية، وقد بررت هذه التشريعات لجوءها الى هذا النوع من العقوبات الى غايات اقتصادية واجتماعية كون ان عدم الاخذ بالعقوبات البديلة يؤدي الى اكتظاظ السجون بالمحكومين وبالتالي استنزاف ميزانية الدولة فضلا عن الجانب الاجتماعي كون المجرمين ليسوا بذات الدرجة من الخطورة الاجرامية وان اختلاطهم مع بعضهم البعض قد يوسع من دائرة الاجرام والميل الى ارتكاب جرائم اخرى قد تكون اشد خطورة من الجريمة التي يقضي مدة محكوميته عنها، فضلا عن السلبيات الأخرى خاصة ان اغلب الدراسات والبحوث في هذا الجانب توصلت الى ان تفادي ايداع الجناة في المؤسسات العقابية يوفر فرصة اكبر لهم لإصلاح حالهم فيتحقق الهدف الحقيقي من فرض العقوبة.
تشريعات اخرى اخذت بالعقوبات البديلة المجتمعية التي غالبا تطبقها في جرائم المخالفات المرتكبة لأول مرة او الجرائم ذات الاحكام البسيطة لتشجيع المحكوم عليهم وتهذيب نفوسهم كأن تحكم المحكمة على المحكوم عليه بعقوبة بديلة بالعمل من دون اجر لخدمة المجتمع في مكان معين تحدده المحكمة وللمدة التي تحدد في قرار الحكم، على ان ينفذ العمل تحت رقابة قضائية وقد اخذت بعض التشريعات العربية بهذا النوع من العقوبات منها التشريع الأردني.
المشرع العراقي اخذ بالعقوبات البديلة ولكن بشكل محدود ومن ذلك ما نصت عليه المادة ٧٣ من قانون رعاية الاحداث رقم ٧٦ لسنة ١٩٨٣ التي جاء فيها اتخاذ تدبير مراقبة السلوك بدلا من العقوبة السالبة للحرية حيث ان الحدث اذا ارتكب جنحة فيحكم عليه بإحدى التدابير الواردة في هذه المادة بدلا من العقوبة السالبة للحرية المقررة لفعله قانونا، وكذلك اجاز قانون العقوبات العراقي في المادة ٣٨٦ منه ايداع المدمن على السكر في احد المصحات الحكومية كبديل للعقوبة السالبة للحرية لان ذلك قد يساعد في اصلاحه، وكذلك بالمواد ١٤٤ و١٤٥ و١٤٦ من قانون العقوبات العراقي التي اجازت وقف تنفيذ العقوبة كبديل عن العقوبة السالبة للحرية وغير ذلك..الا ان المشرع العراقي لم يأخذ بالعقوبات البديلة المجتمعية رغم ان الاخذ بها يمثل طفرة نوعية في مجال حقوق الانسان ويسهم كذلك في ارتقاء المؤسسة العدلية والمؤسسة القضائية على حد سواء خاصة ان اغلب الدول المتقدمة اخذت بهذا النوع من العقوبات..
الا اننا نجد نصا استثنائيا في قانون الكمارك رقم ٢٣ لسنة ١٩٨٤ المعدل بالقرار رقم ٧٦ لسنة ١٩٩٤ حيث ان المادة ٢٥٧ منه اشارت الى مفهوم العقوبة البديلة ولكن بشكل مغاير تماما لما ورد في كافة التشريعات ويبتعد كل البعد عن المفهوم الاصطلاحي لهذه العقوبة حيث تشير هذه المادة الى انه عند عدم امكان تحصيل كامل مبلغ الغرامات الكمركية المقررة على المحكوم عليه بموجب القانون والتي تعتبر بمثابة تعويض مدني لادارة الكمارك يمكن اللجوء الى الحبس لتحصيل مبالغ الغرامات الكمركية ولا يجوز ان تتجاوز مدة الحبس في كل الاحوال على سنتين، اي ان المحكمة الكمركية المختصة عندما تحكم بعقوبة الحبس كعقوبة اصلية ومن ثم تحكم بالغرامة الكمركية التي تمثل ثلاثة امثال قيمة البضاعة والرسم الكمركي المترتب عليها فانها يجوز لها ان تحكم بالحبس بدلا عن دفع الغرامة لمدة لا تتجاوز في اي حال من الاحوال عن سنتين.
الا انه مع ذلك رغم تنفيذ العقوبة البديلة وهي الحبس لا يسقط حق الكمارك بالمبالغ المقررة لها بعد تنفيذ عقوبة الحبس البديل وهذا ما اشارت اليه المادة ٢٥٩ من قانون الكمارك، فإذا كان الحق المالي للكمارك لا يسقط في مقابل هذه العقوبة البديلة اذن ما هي الغاية المتوخاة من فرضها خاصة اذا كان المحكوم عليه عاجزا عن دفعها وابراء ذمته منها، فما هي الغاية من حبسه بل على العكس من ذلك سيكون الأثر سلبيا لان ذلك سيؤدي الى اكتظاظ المؤسسة العقابية واستنزاف ميزانية الدولة فضلا على انه سيجعل من هذا الشخص انسانا غير منتج ولمدة طويلة، فنجد ان المؤسسة القضائية لابد ان يكون لها دور في السعي لتعديل التشريعات التي لا تحقق العدالة المجتمعية وعدم جعل العقوبة السالبة للحرية بديلا عن دفع الغرامة الكمركية، حيث يفترض ان يتم تنفيذ عقوبة الحبس او السجن الاصلية اما الغرامة فيتم استحصالها قانونا بموجب قانون التنفيذ او قانون تحصيل الديون الحكومية في حالة امتناع المحكوم عليه عن سداد ما بذمته خاصة وان نص المادة ٢٥٧ من قانون الكمارك هو نص جوازي وليس وجوبي وان بقاء المحكوم عليهم في المؤسسة العقابية يجعل منهم اناسا غير منتجين فضلا عن الاثر السلبي لحرمان عوائلهم منهم وفي نفس الوقت سوف لن يتحقق الغرض من العقوبة البديلة كون ان المحكوم عليه معسر ولا يمكنه دفع هذه الغرامات في اي حال من الاحوال.