عفواً أوربا..الرسالة لا تصل الى العنوان
د. فاتح عبدالسلام
المراقبون الدوليون حسموا الامر بسرعة كبيرة في انّ نسبة المشاركة ضئيلة، ونقلوا الرسالة الى ملعب السياسيين ظنّا منهم ان الحياة السياسية في العراق تؤثر فيها معايير المعطيات الديمقراطية ونتائجها المعمول فيها في الدول المتقدمة. المشاركة الضئيلة حقيقة متوقعة وليست صدمة مفاجئة، ذلك ان الوضع العراقي مرهق من تداعيات سياسية ثقيلة لم تنفع انتفاضة اغرقت الشوارع بالدماء الزكية في مواجهتها، وزاد الطين بلة، تكرار الوجوه والكيانات في انتخابات انهت الأمل في ان يكون هناك تغيير في العراق مطلقاً. الطبقة السياسية لا تصلها الرسائل الراقية من المراقبين الدوليين بشأن وجود خلل في العلاقة مع الشعب، وهي اهم من كل تفاصيل الديمقراطية الكسيحة. كون الطبقة المتنفذة في عمليتها السياسية المعروفة عاجزة، منذ ثماني عشرة سنة، فهي تروج لمقولة انّ لا بديل أبدا لما يسيرون عليه والاّ كانت الفوضى. وهذا الكلام متوقع من جميع طيات الطبقة السياسية، ذلك انّ تفكيرها له سقف خفيض وركائز واهنة وقلوب مترعة بالتردد والخوف. المشاركة الضئيلة لا تعطي الشرعية لأحد ان يتبجح بأنه حظي بنيل أصوات الناخبين، في حال افتراضنا النزاهة وعدم التزوير. ونعود للسؤال الذي يظن سدنة العملية السياسية انهم يحرجون به الشعب الأسير بأيديهم، ويجرونه الى خياراتهم الحتمية في انه لا يوجد بديل. والقضية ليست بهذه البساطة، فإنّ العراق شهد أتعس أنواع البدائل ذات يوم من اجل تغيير سياسي، وهي تلك الحرب الامريكية الكونية في العام ٣٠٠٢. واليوم لا نريد ان تأتي البدائل من الحروب، حين ينبذ الشعب صناديق الاقتراع رفضا لحقبة سياسية ملطخة بالدماء ولعاب المال الحرام. وهنا لابدّ ان تعطي المشاركة الضئيلة نتيجة ان الانتخابات المبكرة لم تكن الخيار المناسب او المرجو أساسا من الشعب ولكنه خيار الطبقة السياسية لإنقاذ نفسها ومد عمرها. في ضوء ذلك، لا يمكن الركون الى اليأس، والبدائل المتاحة كانت كثيرة ولم يتم اللجوء اليها، على امل وهمي في انّ النتائج حاسمة للتغيير الذي لن يأتي. الحصيلة الوحيدة التي يمكن البناء عليها هي المشاركة الضئيلة المعبرة عن رأي اغلبية الشعب في انّ وسيلة التغيير ليست ناجعة، وكان لابد من عدم الذهاب الى انتخابات مبكرة ليست ناضجة ولا تتوافر على البديل. هذه النتيجة تدخلنا في نفق البحث عن حكومة تصحح الوضع المزري الذي كشف عنه يوم العاشر من تشرين الأول .