عراق الأرقام الفلكيّة
عراق الأرقام الفلكيّة – ياس خضير البياتي العراق ليس هو البلد الأوحد في العالم الذي نخره سوس الفساد، وكثرت فيه اللصوص ومافيا المال، فهناك ثلثا دول العالم غارقون بوحلِه؛ لكنه من الدول الأكثر فسادًا، حسب التقارير الدولية، والاستثناء في حسابات المليارات والتلريونات وأرقامها الفلكية، وتحطيمه للأرقام القياسية في الفساد، وابتكاره لفنون اللصوصية، وتفنُّنه بهدر المال العام، وقتل السلطة الرقابية.
إنه ذلك البلد المتفرِّد بالخيبة؛ حيث ما زالت أمواله تُنهب فيموت اقتصاده ليبقى الآخرون من خارج الحدود أحياءً، ويموت أصحاب الأرض والخيرات فقرًا وجوعًا!
لو سافرت عبر التاريخ سترى دولًا كيف نهضت بوأد الفساد؛ فها هي سنغافورة كانت بلدًا تأوي البعوض والمستنقعات والفساد، لكن (لي كوان يو) صانع نهضتها الحديثة استطاع بوطنيّته أن يجتث الفساد والبيروقراطية من جذورهما، وجعلها واحدةً من أسرع مراكز إدارة الثروات نُموًّا في العالم.
مثلما نجح (مهاتير محمد) خلال عشرة أيام فقط في محاربة الفساد في ماليزيا بعد عودته الثانية للسلطة؛ بينما تتحرك أموال العراق بأنفاق سرية إلى المجهول المعلوم!، ومعها تكثر وتنتشر صراصير الفساد في بالوعات السياسة، وتستفحل شهية المال الحرام في مستنقعات الأحزاب، ومفاقسها الفاسدة العَفِنة.
كنا في الماضي البعيد نشهق تَعجُّبًا وذهولًا عندما نسمع عن المئات من الدولارات، وتدرَّجنا لنسمع بعد عام (2003) عن الملايين التي تتناثر في جيوبٍ وميزانياتٍ وهميَّة؛ فتُصاب آذاننا بالطنين وتتلوَّث بالضجيج؛ فنفقد السمع والتوازن!!، ثم نستيقظ بعدها على سماع المليارات والتريليونات من الدولارات، وهي تستفز مشاعر الناس في تجوالها العلني، ونسمع عنها غرائب ما يدور في الزمن الأغبر، حيث الجهلة يتقاسمون الثروات المُهدَرَة، وينام الفقراء على وسائد الفقر، وتُقتَل أحلامُ الشباب على بسطات الشوارع، وداخل مقاهي النرجيلة والمخدرات!.
هنا نوثق الفساد للتاريخ، بالأرقام والوثائق، في بلد صار من عجائب الدنيا! صارت الصومال وجيبوتي وجزر القمر تتأسف لأحوالنا، وصار الوطن في آخر الأوطان في خرائط الفساد والفقر والعيش السيء، فقد كشف مؤشر مدركات الفساد في العالم لعام (2022) إلى أن العراق يقبع في المرتبة السابعة عربيًّا والـ (157) عالميًّا لأكثر الدول فسادًا بين (180) دولة مُدرجة على قائمة منظمة الشفافية الدولية .
وخسر أكثر من خمسمائة مليار دولار جرَّاء الفساد ، وأن الفساد المالي يستنزف نحو 25 بالمئة من المال العام..ونقرأ الأرقام الفلكية المرعبة، حيث خسارة العراق أكثر من (350) مليار دولار من خلال تهريب العملة ومزاد البنك المركزي، والعقود والمشروعات الوهمية والمتلكِّئة منذ العام (2003) حتى هذه اللحظة.
وتجاوزت الواردات المالية منذ الغزو الأميركي ألف مليار دولار، ذهب نصفها إلى الموازنة الاستثمارية الوهمية؛ رمز “الفساد الأعظم”!وأكَّد تقريرٌ سري مسرَّب صحة المعلومات الواردة في تقرير السفارة الأمريكية، المتعلق بحجم الثروات التي اكتسبها القادة السياسيون في العراق؛ حيث قُدِّرت بسبعمائة مليار دولار، توزَّعت بنسبٍ متفاوتة بين الأحزاب ونواب البرلمان.
كذلك كشف برهم صالح، رئيس الجمهورية السابق أن الأموال المنهوبة من العراق إلى الخارج تُقدَّر بنحو (150) مليار دولار.
وتشير إحصائيات برلمانية حديثة ما يفيد بوجود ما يقرب من ألفي مشروع لم يُبصروا النور، ولم يُبنَ واحدٌ منها حتى هذه اللحظة، متمثلة في مستشفيات ومدارس ومشروعات طرق ومشروعات أخرى متوقفة؛ ففي القطاع الصناعي وحده: هناك نحو خمسين ألف مشروع صناعي في القطاع الخاص:
( 85 بالمئة منها متوقف)، هذا إضافة إلى وجود (250) مصنعًا تابعًا لوزارة الصناعة متوقفًا أو بإنتاج ضئيلٍ جدًا.ووفقًا لإحصائيات وخبراء في الاقتصاد وبيانات رسمية.
هناك أكثر من ستة آلاف مشروع وهمي منذ عام (2003) كلَّفت العراق ما قيمته (178) مليار دولار، وهو يُعادل ما تنفقه دول الخليج مجتمعة في عامٍ واحد، ويُشيِّدُ ستمائة ناطحة سحاب بحجم وتكلفة برج التجارة العالمي في مدينة نيويورك..ويُقدَّر حجم ما تم إنفاقه على قطاع الكهرباء في العراق، منذ عام (2006) حتى عام (2022) بأربعين مليار دولار؛ في حين يُعاني العراقيون في الصيف انقطاعًا في الكهرباء يصل أحيانًا إلى (18) ساعة يوميًّا.
وهناك هدرٌ كبير في قطاع النفط، ورشاوى منظمة استهلكت خزائن الدولة؛ فهناك هدر سنوي (15) مليار دولار، وربما أكثر، كما يُهرَّب يوميًّا من قِبَل الأحزاب وميلشياتها ما بين (200 و300) ألف برميل نفط من البصرة.
ورغم أن حجم احتياطيَّات النفط في العراق يصل إلى نحو (112) مليار برميل؛ فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين؛ إذ تزيد نسبته عن 22 بالمئة ويصل في بعض محافظات الجنوب إلى أكثر من 40 بالمئة.
وأظهرت التحقيقات الرسمية بفقدان تسعة مليارات دولار سنويًّا من واردات الجمارك في المنافذ الحدودية، وأن ما يصل إلى خزينة الدولة لا يتعدَّى مليارًا ونصف من الدولارات، وكلها تذهب علنًا إلى جيوب زعماء المليشيات المسيطرة على المنافذ، وربما آخر عنقود الفساد هو اختفاء نحو (( 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب والجمارك فيما عُرِف بـ (سرقة القرن).من الآخر، جدلية الحاكم والمحكوم …أيهما أفسد الآخر؟
تدل على إن فساد الحاكم السياسي هو بيت الداء وأس البلاء، لكن المصيبة الأكبر هو إن الشعب أختار الحاكم اللص ليحكمه ويسرقه، وإصراره على التمسك به في كل الجولات الانتخابية، مما شجعه على استمراء الفساد وتفقيره وإذلاله.
” كما تكونوا يولي عليكم والنتيجة؛ أخذ “الجَمَلَ بما حَمَل والحَمَل ليس ما نقرأه ونشاهده فقط، فالغاطس والخفي عن الأعين هي الأعظم!ومع ذلك، مازلنا نصر على اختيار اللصوص في صناديق الانتخابات، وما زلنا نتلذذ بمازوشية الألم، والميل إلى المظلومية والذل والمهانة، ثم نشكو بعد ذلك للحسين ظلم حكامنا، وجراحات أحزاننا وفواجعنا، ونحن الذين سلمنا للحثالات السياسة ولصوصها مفاتيح خزائن رزقنا وقوتنا، ولنبدأ بعد ذلك بإقامه مجالس العزاء للنحيب والشكوى؛ فنقع في قعر بئر سوادها كالقطران، وما ننال سوى القطران، وكم من فأس وفأس ننتظرها تقع في الرؤوس حتى نصحوا …. إذا صحونا ؟