عجايا والدنيا عيد
عجايا والدنيا عيد – كفاح محمود كريم
لقد سبق وأن استخدمنا هذا المثل في عنوان لمقال آخر، ولأن الوضع ما زال كما كان حينما وصفناه، بل تمادى أكثر وتعقدت (معجيته) خاصة وان الذين ينطبق عليهم المثل امتلكوا اسلحة كاتيوشا ويهددون باسلحة دقيقة كالتي استخدموها في ضرب مقر التحالف الدولي قرب اربيل يوم الاربعاء 30 ايلول 2020 فسقطت وسط احراش حول مخيم للنازحين شمال غرب اربيل، في عملية صبيانية دعائية للامريكان وللاقليم، ولذلك فهو ذات العنوان اليوم عن تلك الظاهرة الباقية والتي تتمدد في غياب الدولة وتعملق اللادولة، مع استمرار الفوضى في معظم مفاصل الحياة السياسية والإدارية والأمنية والإعلامية في العراق، ولا تكاد الظروف اليوم تختلف عما وصفناها بمعاني هذا المثل الدارج الجميل، بل بتطابقٍ كبير وتضخمٍ أكبر، فما زال الاعلام وأداء معظم الفضائيات والإذاعات العراقية في المرحلة الدعائية، ولم يرتقِ إلى مستوى الأداء الإعلامي بمفهومه المهني الرفيع، خاصةً تلك الفضائيات التي تمول وتوجّه من خارج العراق، حيث يظهر خطابها الدعائي من خلال برامجها المسماة حوارية، وهي في حقيقتها لا تتجاوز الخطاب الدعائي التسقيطي، وفي معظم الاحيان يأخذ طابعا تحقيقيا بصيغة امنية مدافة بالسلبية والعدوانية وروح الكراهية، ويبدو ذلك جلياً في الأزمات الداخلية، التي تستوجب إعلاماً مهنياً وطنياً، يعمل على إيقاف التشنج وإشاعة الهدوء بدل المهاترات ولغة التكيل والتسقيط والفبركات الكاذبة من أجل تمرير مهمة معينة أو التغطية على فضائح تزكم الأنوف.
ولقد شهدنا الحملات الحوارية الموجّهة، والتي تستهدف أحد طرفي النزاع وخاصةً بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وكيف تنبري تلك المجموعات مما يُسمى بــ”المحللين السياسيين” أو رؤساء ما يُسمى بـ”مراكز البحوث الديمقراطية” أو “الخبراء الاستراتيجيين” بكلّ شيء، خاصة القادمين من مهن لا علاقة لها بالموضوع كالقصابة والفيترية والباسوانجية والشوفيرية وووالخ ممن طافوا على سطح الفوضى الخلاقة بعد 2003 وكأنهم في ماراثون لتفريغ مركبات النقص وتوزيع الطاقة السلبية وإفراغها من جعبة تلك الأجهزة الدعائية باتجاه الإقليم وقياداته وهي مكتظة بالكراهية والعدائية، وكلما استجدت أزمة جديدة يحضرني وأحد من الأمثلة الشعبية الجميلة في العراق وتحديداً في مدينة الموصل وأطرافها، وقد أخذ معناه من كرنفالات العيد التي تضم الأطفال، الذين يمارسون تحت مظلته في القرى والبلدات الصغيرة ما هو غير مُعتاد في بقية الأيام، وربما الخارج عن السياقات العامة للصبية والفتيان، كالتدخين مثلاً ولعب بعض الألعاب التي تشبه القمار وما شابه ذلك، مما يحرم عليهم في الأيام العادية، ويضرب هذا المثل عادةً على الكبار الذين يمارسون أعمالاً لا تليق بأعمارهم وتقترب من التفاهة مقارنةً بما هم عليه من عمرٍ زمني أو تأهيلي، ومفردة “عجايا” من الدارجة العراقية كثيرة الاستخدام في المناطق الغربية من العراق وخاصةً الموصل، حيث تطلق على الصبيان الداشرين، أي المنفلتين وغير المنضبطين من الذين ينتشرون في الأزقة والشوارع ويتسببون في إزعاج الأهالي أوقات الراحة صيفاً أو شتاءً، وهي من جهةٍ أخرى تستخدم بكثرة في وصف أي إنسان بغض النظر عن عمره يقوم بأعمال غير مسؤولة وخارجة عن الآداب العامة والتقاليد، وخاصةً تلك التصرفات التي لا تخضع للتربية الاجتماعية وأعرافها، وما نشهده من سلوك الميليشيات لا يبتعد كثيراً عن هذه التوصيفات، مع جل الاحترام لبراءة الأطفال إزاء لؤم وخباثة تلك الميليشات السائبة.
وخلاصة القول، هي أشبه ما تكون في المعنى من المثل القائل في فصيح الكلام “تمخض الجبل فولد فأرا” للدلالة على توافه الأعمال أو الأقوال أو كليهما معاً، كما نراه اليوم في تهديد الولايات المتحدة وقصفها جدران منشآتها بقذائف بدائية، أو ممارسات من تسلقوا مواقع في غفلة من هذا الزمن السيئ الذي يعيشه العراقيون تحت ظلال سلطتنا الديمقراطية جداً ومؤسساتها، سواء من كان منهم في مجلس نوابنا العجب، الذين ينطبق على معظمهم مثلنا أعلاه و”خصوصتن” كما تكتبها كثير من “نايبات” هذا البرلمان، وبالذات “أم الكعب العالي”، الشفاطة دون منازع أو مناصفة مع من تفتل الدنيا معها حينما تغرد باتجاه إقليم كوردستان، تلك العقدة التي يعاني وتعاني منها كثير من مسؤولي ومسؤولات هذا البلد في البرلمان أو الحكومة، لا سيّما بعد زيارتهم للعاصمة أربيل ومقارنتها مع المفجوعة بهم بغداد، وغيرها من مدن “الصد وما رد” كما يقول الدارج العراقي لمن يخرج من بيته ولا يعود أبداً.
أقول قولي هذا مستذكراً “العجايا” وعيدهم كلما نشبت أزمة أو تمّ تصنيع مشكلة مع إقليم كوردستان، حيث تنبري مجاميع معدة إعداداً موبوءة بالكراهية والحقد في وسائل إعلام لا هم لها إلا “العد والصف” على طريقة النسوة السفيهات حينما يتعاركن على الطريقة المصرية، وتبدأ نافورة الشتائم والقذف والاتهامات وإشاعة الكراهية والأحقاد، دون أي وازع وطني أو أخلاقي يحافظ على اللحمة الوطنية والمزاج العام للأهالي ولا يخدش حياء الناس وأمنهم وسلمهم الاجتماعي، متمنياً لهم ما يريدونه هم لكوردستان في سرهم، في بلادٍ توصف بأنها ناس تجرُّ بالطول وناس تجرُّ بالعرض؟وبينما العد والصف جاريا في برلمان حول دائرة واحدة ام عدة دوائر، ولا يعرف غالبية اعضائه غير الراتب والامتيازات والقومسيونات، تستهدف صواريخ العــــجايا اطراف عاصمة الاقليم اربيل في رسالة مرتبكة تُظهر تعدد مراكز القرار في بلاد ولاة أمرها تجرُّ بالطـــــــول وأخرى تجرُّ بالعرض، ليبقى العراق كما يقول الدارج العراقي المؤلم .. ظلمة ودليلها اعمى!