طوسمريب.. مسار توافق صومالي تلغمه أطماع فرماجو
قبل أن يستفيق الصوماليون من نتائج مؤتمر شهد لقاء نادرا بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، فوجئوا بخطوة برلمانية غير متوقعة قضت بالإطاحة برئيس الوزراء حسن خيري.
خطوة فاجأت الجميع، سواء الداعمين لحكومة الرئيس محمد عبدالله فرماجو، أو معارضيها، خصوصا أنها جاءت بعد يومين فقط من ختام مؤتمر تشاوري استضافته مدينة “طوسمريب” عاصمة ولاية غلمدغ، عقب خلافات عميقة حول ملف الانتخابات بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات الإقليمية.
ألغام يزرعها فرماجو بمسار يرنو إلى تحقيق التوافق الداخلي والتوصل إلى حلول للملفات العالقة بينه وبين رؤساء الأقاليم، ما يشي بتعقيدات ومضاعفات سياسية خطيرة قد تدفع نحو تصعيد غير محمود العواقب، وفق مراقبين.
جهود تحبط محاولات التمديد
انتخب فرماجو رئيسا للصومال في 7 فبراير/شباط 2017، وكان على رأس جدول أعماله إيصال البلاد إلى اقتراع شعبي مباشر في الانتخابات التشريعية والرئاسية، نهاية العام الجاري أو مطلع السنة المقبلة.
وفي 6 يونيو/حزيران الماضي، افتتح فرماجو الدورة السابعة للبرلمان الصومالي، ودعا في خطابه بالمناسبة إلى تمكين البلاد من إجراء اقتراع مباشر في انتخابات بنظام “شخص واحد لصوت واحد”.
غير أن دعوته لم تترافق طيلة ثلاث سنوات ونصف مضت من حكمه بأية استعدادات تذكر لتفعيلها، ما أثار الشكوك حول سعيه إلى تمديد فترة حكمه، وجعل المعارضة ترفض مضامين ذلك الخطاب.
وفي 24 من الشهر نفسه، دعا فرماجو رؤساء الولايات الإقليمية الخمس (هيرشبيلي، غلمدغ، جنوب غرب الصومال، بونتلاند وجوبلاند)، ومحافظ بنادر، إلى اجتماع في العاصمة مقديشو، بين الخامس والثامن من يوليو/تموز الماضي، لمناقشة ملف الانتخابات.
وبعدها بثلاثة أيام، قدمت رئيسة المفوضية المستقلة للانتخابات في الصومال، حليمة إسماعيل إبراهيم، إحاطة للبرلمان أكدت خلالها عدم إمكانية إجراء الانتخابات بنظام “شخص واحد لصوت واحد”، أي النظام الذي طرحه فرماجو.
واعتبرت أن ذلك يتطلب تمديد عام إضافي لفترة المؤسسات الدستورية القائمة، والتي تبقى في مدتها الدستورية 6 أشهر للرئاسة، و4 للبرلمان.
وفي 5 يوليو/تموز، لم يستجب رؤساء الولايات الإقليمية لدعوة فرماجو بالاجتماع في مقديشو، وبدل ذلك، أجروا لقاءات مكثفة عبر تقنية الفيديو، لعقد اجتماع مباشر خاص بينهم، بغية توحيد مواقفهم من ملف الانتخابات، قبل لقاء الحكومة الفيدرالية في العاصمة.
بيان طوسمريب الأول
ووفق ما اطلعت عليه ( الاولى نيوز ) ، نجح رؤساء الولايات الإقليمية بعقد مؤتمر رسمي في طوسمريب وسط الصومال، يومي 11 و12 من الشهر الماضي، وأصدروا بيانا مشتركا تضمن خطوطهم العريضة بشأن الانتخابات.
كما أعلنوا موقفهم الموحد المتمثل بإجراء الاستحقاق في موعده، ورفض تمديد فترة المؤسسات الدستورية القائمة، على أن يكون نظام الانتخابات توافقيا، وقابلا لإجرائه في المدة المتبقية من فترة الحكومة الحالية.
كذلك اتفقوا على رفض الاقتراع المباشر للانتخابات، ووجهوا دعوة لفرماجو ورئيس الحكومة السابق حسن علي خيري للانضمام إلى الجولة الثانية من المؤتمر للبحث في الملف الانتخابي.
ولاقى البيان الختامي بمؤتمر رؤساء الولايات الإقليمية ترحيبا واسعا من أحزاب المعارضة الصومالية، وقادة المجتمع المدني، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد”، علاوة على بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ورؤساء الولايات الإقليمية الخمسة، هم رئيس ولاية غلمدغ أحمد عبدي كاريه قور قور، وبونتلاند سعيد عبدالله دني، وجوبلاند أحمد محمد إسلام، وجنوب غرب الصومال عبدالعزيز حسن محمد لفتاغرين، وهيرشبيلي محمد عبدي واري.
بيان طوسمريب الثاني
استجابة لدعوة رؤساء الولايات الإقليمية، وصل خيري في 14 يوليو/تموز إلى طوسمريب، فيما وصل فرماجو بعده بـ 5 أيام، وبدأت اللقاءات الرسمية بين الجانبين، حيث تمسك الأخير بإجراء الاقتراع المباشر الذي يمكنه من تمديد فترة رئاسته لعام إضافي على الأقل.
بينما عارض رؤساء الولايات الإقليمية ذلك بشدة، ولعب رئيس الوزراء الصومالي المقال حسن علي خيري -عبر البرلمان بدعم من فرماجو _ دور الوسيط، لكنه كان يرفض أيضا التمديد في محاولة لتقريب وجهات النظر .
وبعد ثلاثة أيام من شد وجذب بين الطرفين، ضغطت الأطراف السياسية في الصومال على أن لا ينتهي الاجتماع دون إصدار بيان ختامي، وتجنب الطرفان إفشاله بعدم التوصل إلى نتائج بسبب المرحلة الانتقالية الحساسة التي تمر بها البلاد.
وفي 22 يوليو/تموز، أصدر المشاركون- الحكومة والولايات- بيانا ختاميا أكدوا فيه إجراء الانتخابات في موعدها على أن تكون توافقية، وتشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الفيدرالية والولايات لتقديم مقترحات حول النموذج الانتخابي الأمثل، على أن تجتمع اللجنة خلال أسبوع، وعقد اجتماع ثالث بطوسمريب في 15 من أغسطس/آب الجاري .
انهيار المفاوضات
بعد عودة فرماجو إلى مقديشو، دبّر مع رئيس مجلس الشعب الصومالي خطة لطرد رئيس الوزراء من منصبه، وأعلن البرلمان سحب الثقة منه.
فيما سارع فرماجو إلى قبول قرار سحب الثقة، وكلف نائب رئيس الوزراء المقال مهدي غوليد خضر بتصريف أعمال الحكومة.
ولم تتخذ الولايات الإقليمية موقفا موحدا من عزل رئيس الوزراء، حيث رفض رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبدالله دني الخطوة، متهما فرماجو بالضرب ببيان طوسمريب الثاني عرض الحائط، وعرقلة المضي قدما إلى المرحلة المقبلة من المؤتمر.
فيما التزمت ثلاث ولايات بالصمت، وهي جوبلاند، وجنوب غرب الصومال، وهيرشبيلي.
أما رئيس ولاية غلمدغ، فقد وصل رئيسها أحمد عبدي كاريه قور قور إلى مقديشو، وعقد لقاء مغلقا مع فرماجو، داعيا إلى ضرورة ألا يكون لخروج رئيس الوزراء من المشهد تداعيات على استمرار مسار طوسمريب، دون توضيح موقفه.
من جانبها، حذرت القوى المعارضة من إجهاض مخرجات مؤتمر طوسمريب، بمبرر سحب الثقة عن الحكومة والانشتغال بتعيين رئيس وزراء جدبد، في وقت يضغط فيه المجتمع الدولي على الأطراف السياسية الصومالية لمواصلة الحوار السياسي.
وأعلن وزير الإعلام الصومالي في حكومة تصريف الأعمال محمد عبدي حير ماريي مشاركة أحزاب المعارضة في الجولة القادمة من مؤتمر طوسمريب التشاوري .
ويرى خبراء أن سحب الثقة عن خيري يشكل منعطفا خطيرا للمفاوضات بين الولايات والحكومة، وقد يؤدي إلى إنهيارها، باعتبار أن الرجل كان يشكل ملجأ رؤساء الولايات الإقليمية لمواجهة غطرسة فرماجو ورغبته الجامحة في التمديد دون النظر إلى المصلحة الوطنية.
الاولى نيوز – متابعة