طفل موسى وإشكالية القانون
حمزة مصطفى
مع أن مجلس القضاء الأعلى أصدر بيانا بشأن حيثيات الحكم الصادر بحق المجرمة التي عنفت الطفل موسى حتى الموت غير أن الإشكالية تبقى أكبر من الحكم الذي صدر والتبرير الذي أعقبه.
من الواضح إننا وصلنا الى مرحلة فارقة, إما أن نعيد النظر بالقوانين النافذة لكي تنسجم مع التطور المخيف للجريمة في العراق, أو نعيد ترتيب الأولويات بخصوص بسلوك المجتمع بعد أن هيمنت على مدركاته الشعورية واللاشعورية السوشيال ميديا الى حد لايطاق.
وبينما يبدو أمر تعديل القانون أمرا سهلا بالقياس الى كيفية ضبط سلوك المجتمع بعد أن بات الكثير من أبنائه يستسهل إرتكاب الجريمة بكل أنواعها بدءا من جرائم الفساد المالي الى جرائم القتل والسرقة وسواها من الجرائم التي تصدر المحاكم يوميا أحكاما متباينة بشأنها تبدو أمام الناس متناقضة بل وأحيانا شديدة التناقض.
فالناس الآن وعبر تطور وسائل الإعلام وهو أمر بلاشك ينطوي على حسنات وإن كانت السيئات أكثر بل وحتى أخطر بدأت تعرف أولا بأول أي جريمة تحصل وأي حكم يمكن أن يصدر بشانها, يضاف الى ذلك وهذه هي الأخرى مسألة مهمة بات بالإمكان تحويل بعض مايجري من سلوك مرفوض أو أحكام غير منصفة الى قضية رأي عام.وعليه فإن ما أعقب الحكم الصادر بحق قاتلة الطفل موسى وهو 15 عاما بدلا من الإعدام الذي كان يتوقعه الرأي العام, فإن العلة بدت ومن خلال تبرير مجلس القضاء الأعلى بالقانون لا بأصل الجريمة وهي القتل أو طبقا للتعبير القانوني المطاط “التعنيف المفضي الى الموت”. القاضي الذي يصدر حكمه طبقا للقانون يبدو شكلا على حق كونه يستند الى مادة ربما تعود الى أكثر من نصف قرن الى الوراء.
ومع أن القانون نص وروح فإن الأحكام في الغالب تصدر بناء على النص الجامد. فالمادة التي ينطبق عليها الحكم هي التعنيف المفضي الى الموت. المادة تركت مفردة “الموت” التي هي الأهم عائمة وتمسكت لأغراض الحكم بـ “التعنيف”. لم يقبل الرأي العام بالحكم لأن عقوبة الموت حتى في قوانين السماء هي الإعدام “ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب”.
الأمر نفسه ينطبق على أنماط أخرى من الجرائم ومنها السرقة.
ولدينا في هذا السياق أمثلة عديدة وقريبة جدا.كلنا نتذكر المادة التي إنطبقت على الطفل الذي قام بسرقة باكيت كلينكس. وبصرف النظر عن دافعه لسرقة الكلينكس هل هي مادية كأن يبيع هذا الكلينكس لكي يعيش هو أو ربما يعيل عائلة أو بدافع السرقة فقط, فإن المادة التي إنطبقت عليه أدت الى حكمه لمدة 11 سنة. كان هذا الحكم ظالما من وجهة نظر الناس بينما القانون يتعامل مع المواد التي تنطبق على هذه القضية ولا تنطبق على تلك.
ومن “تلك” القضايا التي لاتنطبق عليها المادة القانونية التي حكمت على سارق الكلينكس 11 عاما هي المادة الخاصة بمتهمي سرقة القرن.
المادة التي إنطبقت على أكثر من متهم منهم مع أن الإعترافات تقول أن قيمة المسروق تجاوز المليارين ونصف المليار دولار توزعها المتهمون كل حسب دوره في الجريمة هي التي تفضي ليس الى الموت طبقا لمادة قاتلة الطفل موسى بل تفضي الى الكفالة.
بمعنى أن مادة سرقة باكيت كلينكس سعره نصف دينار لاتقبل الكفالة بينما مادة سرقة مليارين ونصف المليار دولار تقبل الكفالة.
الخلاصة أن القانون الذي لايحمي مغفلا مثل سارق الكلينكس لكنه يحمي سارق المليار والمليارين والثلاثة مليارات دولار لا دينار.
إذن ماهو المطلوب لكي ننصف المغفلين عسى ولعل أن يحميهم القانون في حال أخطأوا بحق الناس, بحق المجتمع؟ وماهو المطلوب بحيث نقف بالمرصاد لغير المغفلين الذين يعرفون كيف يسرقون؟ ومتى يسرقون؟ ومن أين يسرقون؟ وكم يسرقون؟ ووفق أي مادة قانونية يخرجون ويسافرون ويتفسحون ويدخلون الانتخابات وربما غدا يترشحون لمواقع تسبغ عليهم أوصافا والقابا .. تفل الحديد. ولأنه لاجواب فليس أمامنا سوى أن .. نخلي عينا بعين الله.