صراع العروش النسخة السعودية الواقعية
الكاتب : د. محمود البازي.
إلى حين كتابة هذا المقال تمّ اعتقال أربعة أمراء من العائلة الحاكمة في السعودية. هؤلاء الأمراء هم من العيار الثقيل، وتنسب إليهم المقاومة الداخلية في الداخل السعودي.
في الوقت الذي تجاهلت به وسائل الإعلام السعودية خبر اعتقال الأمراء الأربعة، بحيث أنه لا يوجد أي صحيفة أو موقع إخباري سعودي نقل هذا الخبر، تسارعت الصحف العالمية للبحث عن الأسباب التي دفعت الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لإتخاذ هذه الخطوة الخطيرة للغاية. وتراوحت الفرضيات بين التمهيد لإعتلاء العرش وبين أخبار عن حالة صحية سيئة للملك سلمان مما دفع محمد بن سلمان للتحرك وإعتقال الأمراء الأربعة.
ولعل فرضيتنا حول الأسباب التي دفعت ولي العهد الشاب لإتخاذ مثل هذه الخطوة لا تخرج عن إطار التحليلات السابقة إلا أننا نستطيع التأكيد على أن ولي العهد سأم من معضلة المقاومة الداخلية (المعارضة الداخلية) وهي مقاومة ليست بالسهلة خصوصا أنها تأتي من صلب العائلة الحاكمة السعودية ومن أشخاص لهم ثقل عظيم في الداخل السعودي ولولا عزلهم لكانوا اليوم مُعتلين سدة الحكم في السعودية (ولما عُرف مصير الأمير محمد بن سلمان). إن هذه الفرضية تنطلق دوما من سوابق في سلوك ولي العهد الذي أظهر عدم الرحمة مع المعارضة أيّاً كانت. لا بل ومنذ الأيام الأولى سعى لإسكات الأصوات المعارضة غير آبهٍ بما سينتج عن هذا القمع من نتائج. حيث بدأت عمليات التصفية بإعتقال الناشطات السعوديات واللائي لم يطالبن بأكثر مما قام به هو نفسه. ثم تبع ذلك الأمر إعتقال الأمراء الأثرياء في فندق “الريتز” وذلك لجباية أتاوة مالية لتغطية الفشل الإقتصادي الذي تعاني منه السعودية. ثم وفي مرحلة لاحقة إعطائه الأمر للقيام بأغبى عملية اغتيال استخباراتية عرفها العصر الحديث وهي عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وبعد التخلص من الخصم المفترض (لم يكن خصماً حقيقياً حيث كان يطالب الزميل جمال بالإصلاح وليس الإسقاط)، قام بحملات ترهيبية ضد المعارضة السعودية في الخارج عن طريق التهديد والضرب وغيرها من الوسائل التي اتبعها لإسكات المعارضة. بعد كل هذه الخطوات والجهود نحو تشكيل سلطة محكمة وقبضة حديدية، بقيت هناك أصوات داخلية تتمتع بقوة كبيرة وبمكانة إجتماعية مرموقة في المجتمع السعودي المحافظ متمثلة بالأمير محمد بن نايف (ولي العهد السابق) والأمير أحمد بن عبد العزيز (شقيق الملك). هذه الأصوات لم تجد حرجاً في إعلاء صوتها في المجتمع السعودي فعلى سبيل المثال فقد قال أحمد بن عبد العزيز أمام جمع من المتظاهرين في عام 2018 كانوا قد تجمعوا للإعتراض على التدخل السعودي في اليمن مرددين شعارات ضد آل سعود، حيث قال لهم وما دخل العائلة كاملة بهذا الموضوع وأخبرهم بأن المسؤول عن الحرب في اليمن هو الملك سلمان وولي عهده.
كي نُلّخص فرضية الأسباب التي دفعت محمد بن سلمان إلى هذه العملية، فنحن نرفض وبشدة الفرضية التي قالت بأن الأمراء كانوا يخططون لعملية إنقلاب داخل المملكة، وذلك أن عملية الإنقلاب تتطلب مقومات وإمكانيات كبيرة لا يمتلكها الأمراء الأربعة ولعل أهم هذه المقومات هي قوة عسكرية كحدٍ أقل. فمحمد بن سلمان ومنذ تسلمه دفة القيادة الفعلية في السعودية عمل على إنشاء شبكة قوية في داخل الجيش السعودي تعود هذه الشبكة في تسلسليتها إلى رأس الهرم المتمثل بشخص ولي العهد. وبعد دحض هذه الفرضية لم يتبقى لنا إلا أن نتبنى فرضة أن “محمد بن سلمان”، لا يقوى على سماع أصوات معارضة لا في الداخل ولا في الخارج. ودليلنا على هذا هو عمليات الإعتقال المستمرة ضد ناشطات سعوديات طالبن بالحرية للمرأة السعودية. وفي سبيل تحقيق هذه الديكتاتورية المطلقة لا يتوانى الرجل عن اعتقال الأمير محمد بن نايف (الذي انكبّ محمد بن سلمان على قدميه يقبلهما ذات يوم عندما قام الملك سلمان بعزل الأول عن ولاية العهد)، ولا يتوانى كذلك عن اعتقال رجل ذو نفوذ قوي في الأسرة الحاكمة وله علاقات خارجية جيدة مع كل من أوربا والولايات المتحدة.
وبعد أن فرغنا مما يمكن وصفه بأنه الأسباب الكامنة خلف عمليات الإعتقال علينا الأن أن ننتقل إلى الجانب الأهم في هذه القضية وهي النتائج المترتبة على مثل هذا الإعتقال ويمكن أن نلخصها بالتالي:
النتيجة الأولى: اضطراب العلاقة مع الولايات المتحدة
في عام 2018، تحدث تقرير لموقع “ميدل إيست” عن ضمانات دولية (بريطانية أمريكية) للأمير أحمد بن عبد العزيز، تضمن له العودة إلى السعودية دون أن يتعرض له ولي العهد محمد بن سلمان بسوء. وبالفعل جاءت عودة الرجل إلى الداخل السعودي بعد تقديم هذه الضمانات. ولكن اليوم وبعد مرور نحو عامين على العودة عاد الرجل المتهور واعتقل الأمير أحمد منتهكاً كل تلك الضمانات التي تمّ تقديمها. تجدر الإشارة إلى أن أعضاء الكونغرس الأمريكي لم يكونوا راضين عما يفعله محمد بن سلمان من خطوات متهورة في الداخل السعودي وخصوصا بعد توجيه اتهامات مباشرة له بإصدار الأوامر بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وتأتي عملية اعتقال الأمراء الأربعة كإنتهاك صارخ للضمانات الأمريكية وهو ما سيدفع إلى توتر حاد في العلاقة بين الكونغرس الأمريكي والسعودية. ونحن هنا لا نقول بتوتر العلاقات السعودية مع إدارة ترامب، لإننا نرى بأن سياسات الرئيس ترامب هي من دفعت بقيادات متهورة (كمحمد بن سلمان) بالظهور في الساحة السعودية والتصرف بتهور لإن الرجل يعلم بأن الرئيس ترامب وإداراته تجاهلت وستتجاهل كل ما يصدر عنه من تصرفات حمقاء ولعلنا لا نبالغ بالقول بأنه من المحتمل بأن معلومات إستخبارتية مغلوطة جاءت من كوشنر (صهر الرئيس ترامب وصديق مقرب من محمد بن سلمان) تخبر ولي العهد بأن الأمراء يخططون لإنقلاب في الحكم في السعودية. وما يدلل على تحليلنا هذا هو سابقة تاريخية تُفيد بأن كوشنر هو من أبلغ بن سلمان بإعتقال الأمراء في فندق “الريتز” بحسب ما تحدثت تقارير عن وسائل إعلام أمريكية.
النتيجة الثانية: التأثير المباشر على قمة العشرين
تسلّمت السعودية رئاسة قمة العشرين خلال عام 2019، والقمة المقبلة كان من المقرر عقدها في نوفمبر من العام الحالي في الرياض. وبعد عمليات الإعتقال هذه يبدو بأن تصرفات ولي العهد ستلقي بضلالها على القمة. تجدر الإشارة إلى أن كل من “منظمة العفو الدولية” (أمنستي) و”منظمة الشفافية الدولية” و”سيفيكوس”، أوضحوا في فترة سابقة من أن تلك الاجتماعات (قمة العشرين) محاولة هزلية من جانب مضيفي مجموعة العشرين الجدد للتستر على سجلهم المزري لحقوق الإنسان. وكما طالبت السؤولة الأممية بقضية خاشقجي بمقاطعة هذه القمة من قبل الدول الأعضاء. واليوم وبعد قتل خاشقجي واعتقال ناشطات المجتمع المدني، وحملة اعتقال طالت أمراء من العائلة الحاكمة وتهديدات متكررة للمعارضين في الداخل والخارج، فإن الدول الأعضاء في قمة العشرين يتحملون مسؤولية أخلاقية بعدم حضور هذه القمة.
وهنا بوصفنا فاعلين في مجال حقوق الإنسان، لعلنا مرة آخرى نستغل الفرصة لسؤال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبكل احترام عن مصير الناشطات السعوديات لجين الهذلول ورفيقاتها ولن ننسى هذا الموضوع أبداً، فنحن نطالب ولي العهد بإطلاق سراحهنّ فوراً. ونُذكّر ولي العهد بتصريحاته التي تحدث فيها حول أنه سيتدخل شخصياً في قضية الناشطات السعوديات، حيث جاء هذا التصريح في مقابلة لولي العهد مع برنامج 60 دقيقة مع CBS الأميركية.
النتيجة الثالثة: التأثير على الإقتصاد السعودي
بعد أن تحدثنا في مقال سابق عن أن رأس المال جبان وهو يبحث عن دول مستقرة سياسيا واقتصاديا وكيف أن من يحاول الإستثمار في “أرامكو”، فعليه أن يتوقع الخسارة. تحقق كل ذلك وسجلت أسهم أرامكو انخفاض مستمر بقيمة السهم مطلع فبراير الماضي وهو يسجل خسائر مستمرة أيضا بعد تفشي فيروس كورونا في المنطقة. من جهة أخرى فعلى السعودية العمل على بسط الاستقرار في الأسواق السعودية والأوضاع السياسية في البلاد إذا ما أرادت أن تعلن عن جولة جديدة من لإكتتاب أسهم أرامكو خصوصاً بعد تصريح رئيس مجلس إدارة شركة النفط السعودية (أرامكو) بأن الشركة عازمة على طرح المزيد من الأسهم للاكتتاب وذلك لنويع الإقتصاد السعودي.
أخيراً، نخشى أن تظهر علينا صحفية آخرى ك”نورا المطيري” تتهم قطر بأنها كانت خلف عمليات اعتقال الأمراء في السعودية. خصوصاً بعد أن اتهمت المطيري قطر بصناعة فيروس كورونا وإرساله إلى الصين بهدف ضرب العام 2020 الذي كان معداً له بدء تحقيق رؤية السعودية 2030 (بحسب تغريدة نشرتها على تويتر). وهنا علينا القول إن الاستقرار السياسي في السعودية يتطلب إرادة واضحة وقدرة على تحمل الأصوات المخالفة والانسحاب من الملفات الشائكة كحصار قطر وحرب اليمن وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والأمراء السعوديين والابتعاد عن توترات المنطقة وليس الترويج لما أحب أن أسمّيه “قطرفوبيا”. والأيام كفيلة بتفسير ما حدث ويحدث للأمراء في السعودية.